منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم

منتدى تربوي يهتم بالتربية والتعليم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» صـــــــــــــــلة الرحــــــــــــــم
العبرات ( الجزء السادس)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالخميس أغسطس 25, 2022 5:05 pm من طرف مروان ادريس

» أخلاقيات القيادة التربوية و دورها في تدبير المؤسسة التعليمية
العبرات ( الجزء السادس)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 23, 2022 11:06 am من طرف مروان ادريس

» اللعب وأثره على عملية التعلم لدى أطفال مرحلة ما قبل المدرسة
العبرات ( الجزء السادس)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالأحد أكتوبر 29, 2017 8:08 pm من طرف المدير العام

» جودة التعليم وأثرها في تحقيق التنمية المستدامة
العبرات ( الجزء السادس)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالسبت مايو 06, 2017 2:19 am من طرف المدير العام

» محاضرات مادة ثقافة الطفل
العبرات ( الجزء السادس)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالأحد سبتمبر 04, 2016 9:05 pm من طرف المدير العام

» دليل القسم
العبرات ( الجزء السادس)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالأحد يوليو 10, 2016 1:57 pm من طرف المدير العام

» ملخص محاضرات تغذية وصحة الطفل
العبرات ( الجزء السادس)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالجمعة سبتمبر 13, 2013 10:15 pm من طرف المدير العام

» ملخص محاضرات التربية البيئية
العبرات ( الجزء السادس)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالجمعة سبتمبر 13, 2013 10:05 pm من طرف المدير العام

» المواد العامة
العبرات ( الجزء السادس)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالجمعة سبتمبر 13, 2013 9:50 pm من طرف المدير العام

الإبحار

 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء 

مرحبا بكم في منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم ، ونأمل منكم المبادرة بالتسجيل في المنتدى لأن هناك مواضيع وبرامج ومفاجآت لن تعرض إلا للمسجلين بالمنتدى فلا تضيعوا القرصة عليكم . مدير عام المنتدى .
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث

منتدى
التبادل الاعلاني
الإبحار

 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء 

مرحبا بكم في منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم ، ونأمل منكم المبادرة بالتسجيل في المنتدى لأن هناك مواضيع وبرامج ومفاجآت لن تعرض إلا للمسجلين بالمنتدى فلا تضيعوا القرصة عليكم . مدير عام المنتدى .
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث

الإبحار

 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء 

مرحبا بكم في منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم ، ونأمل منكم المبادرة بالتسجيل في المنتدى لأن هناك مواضيع وبرامج ومفاجآت لن تعرض إلا للمسجلين بالمنتدى فلا تضيعوا القرصة عليكم . مدير عام المنتدى .
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث


 

 العبرات ( الجزء السادس) لمصطفى المنفلوطي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
المدير العام


المساهمات : 207
تاريخ التسجيل : 03/05/2008

العبرات ( الجزء السادس)  لمصطفى المنفلوطي Empty
مُساهمةموضوع: العبرات ( الجزء السادس) لمصطفى المنفلوطي   العبرات ( الجزء السادس)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالسبت ديسمبر 11, 2010 9:38 pm

اَلضَّحِيَّة
نَشَأَتْ مَرْغِرِيت جُوتْيِيه فَقِيرَة لَا تَمْلِك مَالًا تَشْتَرِي بِهِ زَوْجًا وَلَا تَجُدْ بَيْن
اَلرِّجَال مَنْ يَبِيعهَا نَفْسه بِلَا مَال أَوْ يَحْسُن إِلَيْهَا بِمَا يَسُدّ خَلَّتْهَا وَيَسْتُر عَوْرَتهَا
وَكَانَ لَابُدَّ لَهَا أَنْ تَعِيش فَلَمْ تَجِد بَيْن يَدَيْهَا سِوَى عَرْضهَا فَذَهَبَتْ بِهِ إِلَى سُوق
اَلشَّقَاء وَالْآلَام فَسَاوَمَهَا فِيهِ بَعْض اَلْمُسَاوِمِينَ بِأَنْجَس اَلْأَثْمَان فَبَاعَتْهُ إِيَّاهُ
كَارِهَة مُرْغَمَة وَكَانَتْ مِنْ اَلْخَاسِرِينَ .
وَلَقَدْ كَانَ جَمَالهَا شُؤْمًا عَلَيْهَا فَلَوْ أَنَّهَا كَانَتْ شوهاء لَوُجِدَتْ فِي اَلنَّاس مَنْ
يَرْحَمهَا وَيَحْنُو عَلَيْهَا وَلَكِنَّ اَلْجَمَال سِلْعَة مِنْ اَلسِّلَع النافقة لَا يَسْتَطِيع صَاحِبه
أَنْ يَنَال مَا فِي أَيْدِي اَلنَّاس إِنْ كَانَ فَقِيرًا معوزا إِلَّا مِنْ طَرِيق اَلْمُسَاوَمَة فِيهِ .
لِذَلِكَ نَقَمَتْ تِلْكَ اَلْفَتَاة اَلْمَنْكُوبَة عَلَى اَلرِّجَال جَمِيعًا وَأَقْسَمَتْ أَنْ تَتَّخِذ مِنْ
جَمَالهَا اَلَّذِي هُوَ مَطْمَح أَنْظَارهمْ وَقُبْلَة آمَالهمْ آلَة اِنْتِقَام بِهَا مِنْهُمْ لِعَرْضِهَا
وَشَرَفهَا .
وَلَقَدْ بَرَّتْ بِيَمِينِهَا اَلْوَفِيّ بِعَهْدِهِ فَعَاشَرَتْ اَلرِّجَال وَلَمْ تُحِبّهُمْ وَنَكَبَتْهُمْ فِي
أَمْوَالهمْ وَغَيّ أَنْفُسهمْ وَلَمْ تَأْسَف عَلَيْهِمْ وَنَظَرَتْ إِلَى دُمُوع اَلْبَاكِينَ تَحْت قَدَمَيْهَا
نَظَرَات لِغِبْطَة وَالسُّرُور وَهِيَ تَقُول :
وَيْح لَكُمْ يَا مَعْشَر اَلرِّجَال مَا كُنْت أَطْلُب مِنْكُمْ بِاسْم اَلْفَضِيلَة وَالشَّرَف إِلَّا رَغِيفًا
وَاحِدًا لِغِذَائِي وَآخَر لِعَشَائِي فَأَبَيْتُمُوهَا عَلَى فَلَمَّا طَلَبَتْ مِنْكُمْ بِاسْم اَلرَّذِيلَة
جَمِيع مَا تَمْلِك أَيْدِيكُمْ مِنْ مَال وَنَشِبَ بَذَلْتُمُوهُ لِي طَائِعِينَ مُخْتَارِينَ فَمَا أَصْغَرَ
نُفُوسكُمْ وَأَخَسّ أَقْدَاركُمْ .
وَلَقَدْ كَانَ فِي اِسْتِطَاعَة أَصْغَركُمْ شَأْنًا وأهونكم عَلَى نَفْسه وَعَلَى اَلنَّاس جَمِيعًا أَنْ
يَشْتَرِي مِنِّي جِسْمِي وَقَلْبِي وَحَيَاتِي بِلَا ثَمَن سِوَى سَدّ خلتي وَصِيَانَة عِرْضِي فَلَمْ تَفْعَلُوا
فَهَا هُمْ أَوْلَاد اَلْيَوْم عُظَمَاؤُكُمْ وَأَشْرَافكُمْ يَجْثُونَ تَحْت قَدَمِي جِثِيّ اَلْكَلْب اَلذَّلِيل
تَحْت مَائِدَة سَيِّده فَلَا يَنَالُونَ مِنِّي أَكْثَر مِمَّا يَنَال مِنْهَا .
أَحْبَبْتُمْ اَلْمَال حُبًّا جَمًّا فَأَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَتَزَوَّجُوا ذَات مَال لِتَضُمُّوا طارفها إِلَى
تليدكم فَابْذُلُوا اَلْيَوْم لِاِمْرَأَة مُومِس لَا تَمْنَحكُمْ مَالًا وَلَا حَبًّا جَمِيع مَا فِي
أَيْدِيكُمْ مِنْ فِضَّة وَذَهَب حَتَّى يَبْقَى لَكُمْ طارف وَلَا تَلِيد .
ظَهَرَتْ مَرْغِرِيت فِي سَمَاء بَارِيس كَوْكَبًا مُتَلَأْلِئًا يَبْعَث اَلْأَنْوَار وَيَبْهَر اَلْأَنْظَار
وَيَمْلَأ أَجْوَاز اَلْفَضَاء بَهْجَة وَضِيَاء فَطَارَتْ حَوْلهَا اَلْعُقُول طَيَرَان اَلنَّحْل حَوْل
اَلزَّهْر وَسَالَ النضار بَيْن يَدَيْهَا سَيَلَان اَلْجَدْوَل اَلْمُتَدَفِّق تَحْت أَشِعَّة اَلْأَصِيل وَعَنَّتْ
لَهَا اَلْوُجُوه اَلْكَرِيمَة وَتَعَفَّرَتْ تَحْت قَدَمَيْهَا اَلْجِبَاه اَلرَّفِيعَة وَأَصْبَحَتْ أَعْنَاق
اَلرِّجَال فِي يَدهَا كَأَنَّمَا قَدْ سَلَكَتْهُمْ جَمِيعًا فِي سِلْك وَاحِد ثُمَّ أَمْسَكَتْ بِطَرَف اَلسِّلْك
تُحَرِّكهُ فَيَتَحَرَّكُونَ وَتُمْسِك عَنْهُ فَيُمْسِكُونَ وَكَانَ شَأْنهَا مَعَهُمْ شَأْن صَاحِب اَلْكَلْب مَعَ
كَلْبه لَا يُشْبِعهُ فَيَسْتَغْنِي عَنْهُ وَلَا يجيعه فَيَيْأَس مِنْهُ فَكَانَتْ تَمْلَأ نَفْس عَاشِقهَا
أَمَلًا وَرَجَاء حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّ قَدْ دِنَّا بِهِ حَظّه تَمْلَأ نَفْس عَاشِقهَا أَمَلًا وَرَجَاء حَتَّى
إِذَا ظَنَّ أَنَّ قَدْ دَنَا إِلَيْهِ يَده فَيَنَالهُ ذَادَتْهُ عَنْهُ ذَوْد اَلظَّامِئ اَلْهَيْمَان عَنْ
وَرْده أَدْنَى مَا يَكُون إِلَى فَمه فَإِذَا عَلِمَتْ أَنَّ اَلْيَأْس قَدْ بَلَغَ مِنْ نَفْسه وَأَنَّهُ قَدْ
أَزْمَعَ أَنْ يَرْكَب رَأْسه إِلَى حَيْثُ لَا مَرَدّ لَهُ بَعَثَ وَرَاءَهُ شُعَاعًا مِنْ أَشِعَّة
اِبْتِسَامَاتهَا اَلْعَذْبَة اَلْخَلَّابَة فَاسْتَرَدَّتْهُ إِلَيْهَا صَاغِرًا مُسْتَسْلِمًا .
وَكَذَلِكَ أَصْبَحَتْ تِلْكَ اَلْفَتَاة اَلْجَائِعَة اَلْعَارِيَة اَلَّتِي كَانَتْ تَعُوزهَا بِالْأَمْسِ اَللُّقْمَة
وتعييها اَلْخِرْقَة سَيِّدَة بَارِيس وَصَاحِبَة عَرْشهَا وَمَالِكَة أَزْمَة رِجَالهَا وَفَاجِعَة قُلُوب
نِسَائِهَا وَالنَّجْم اَلْحَالِق اَلَّذِي تَبْتَهِل إِلَيْهِ اَلْعُيُون وَالسِّرّ اَلْغَامِض اَلَّذِي تحار فِيهِ
اَلظُّنُون .
ذَلِكَ مَا يُعَلِّمهُ اَلنَّاس مِنْ أَمْرهَا أَمَّا مَا تُعَلِّمهُ مِنْ أَمْر نَفْسهَا فَهِيَ تَرَى أَنَّ جَمِيع
مَا يَبْذُلهُ لَهَا اَلنَّاس مِنْ فِضَّة وَذَهَب وَأَثَاث ورياش وَقُصُور وَدَوْر وَجِيَاد وَمُرَكَّبَات لَا
يُسَاوِي دَمْعَة وَاحِدَة مِنْ تِلْكَ اَلدُّمُوع اَلَّتِي سَكَبْتهَا عَلَى نَفْسهَا يَوْم بَاعَتْ عِرْضهَا
وَأَنَّ جَمِيع هَذِهِ اَللَّآلِئ وَالْجَوَاهِر والأردية وَالتِّيجَان اَلَّتِي يَهَبُونَهَا إِنَّمَا
يَهَبُونَهَا أَنْفُسهمْ لِيَتَمَتَّعُوا بِمَنْظَرِهَا فَوْق جِسْمهَا كَمَا يَتَمَتَّع صَاحِب اَلْكَلْب بِمَنْظَر
اَلْقِلَادَة فِي عُنُق كَلْبه وَمَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْء فَكَأَنَّمَا بَاعَتْ عِرْضهَا بِلَا ثَمَن وَلَا
جَزَاء .
وَكَانَتْ تَخْلُو بِنَفْسِهَا حِينًا فَتَذْكُر أَنَّ جَمِيع هَذِهِ اَلْقُلُوب اَلطَّائِرَة حَوْلهَا إِنَّمَا
تَطِير عَلَى جَمَالهَا لَا عَلَيْهَا وَأَنَّهَا إِنْ حَرَّمَتْ هَذَا اَلْجَمَال سَاعَة وَاحِدَة اِنْفَضَّ
اَلنَّاس جَمِيعًا مِنْ حَوْلهَا وَأَصْبَحَتْ وَحَيْدَة مُنْقَطِعَة فيهذا اَلْعَالِم لَا يَعْطِف عَلَيْهَا
قَلْب وَلَا تُبْكِي عَلَيْهَا عُيِّنَ فَتَبْكِي بُكَاء اَلْأَشْقِيَاء عَلَى أَنْفُسهمْ بَلْ تَرَى أَنَّهَا شَقِيَّة
مَثَلهمْ لِأَنَّهَا تُعَاشِر مَنْ لَا تُحِبّ وَتَحْيَا بَيَّتْنَ قَوْم لَا يُحِبُّونَهَا إِلَّا حُبًّا كَاذِبًا .
وَرُبَّمَا مَرَّتْ فِي بَعْض غدواتها أَوْ روحاتها بِغُرْفَة حَارِس قَصْرهَا وَهُوَ جَالِس بَيْن زَوْجه
وَأَوْلَاده يَمْنَحهُمْ حُبّه وَإِخْلَاصه وَيَمْنَحُونَهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْل مَا يَمْنَحهُمْ فَتَتَمَنَّى أَنْ لَوْ
كَانَ حَظّهَا مِنْ هَذِهِ اَلْحَيَاة غُرْفَة كَهَذِهِ اَلْغُرْفَة وَزَوْجًا وَأَوْلَادًا كَهَذَا اَلزَّوْج
وَهَؤُلَاءِ اَلْأَوْلَاد ثُمَّ لَا تَقْتَرِح عَلَى دَهْرهَا بَعْد ذَلِكَ شَيْئًا .
وَمَا رَآهَا فِي يَوْم مِنْ أَيَّامهَا اِسْتَقْبَلَتْ فِي قَصْرهَا رَجُلًا مُتَزَوِّجًا أَوْ خَاطِبًا فَكَانُوا
يَحْمِلُونَ هَذَا اَلْأَمْر مِنْهَا عَلَى مَحْمَل اَلْأَثَرَة وَيَقُولُونَ إِنَّهَا اِمْرَأَة طَامِعَة لَا تُحِبّ
إِلَّا أَنْ يَكُون عَاشِقهَا خَالِصًا لَهَا وَلَوْ أَنَّهُمْ عَرَفُوا حَقِيقَة أَمْرهَا وَأَلَمُّوا بِسَرِيرَة
نَفْسهَا لعلموا أَنَّهَا اِمْرَأَة حَزِينَة مَنْكُوبَة قَدْ فجعها اَلدَّهْر فِي سَعَادَة اَلزَّوْجِيَّة
فَعَرَفَتْ قِيمَتهَا فَهِيَ لَا تُحِبّ أَنْ تُفْجِع فِيهَا اِمْرَأَة غَيْرهَا .
لَقَدْ تَحَدَّثَ بَعْض اَلَّذِينَ أَلَمُّوا بِشُؤُون حَيَاتهَا اَلْخَاصَّة أَنَّهَا وَهَبَّتْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا
بَعْض اَلْفَتَيَات اَلْفَقِيرَات مُهُورًا يَسْتَعِنْ بِهَا عَلَى اَلزَّوَاج مِمَّنْ يُرِدْنَ فَلَمْ يُصَدِّق
اَلنَّاس هَذَا اَلْخَبَر وَقَالُوا إِنَّ اَلسَّالِب لَا يَكُون وَاهِبًا وَإِنَّ يَنْبُوع اَلْخَيْر لَا يُمْكِن
أَنْ يَنْفَجِر فِي قُلُوب اَلنِّسَاء اَلْفَاجِرَات وَلَكِنَّ اَلْحَقِيقَة أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَرُبَّمَا فَعَلَتْ
أَكْثَر مِنْهُ هَذَا هُوَ قَلْب مَرْغِرِيت وَهَذِهِ هِيَ سَرِيرَة نَفْيهَا فَهِيَ فَتَاة فَاسِدَة وَلَكِنَّهَا
غَيْر رَاضِيَة عَنْ فَسَادهَا وَسَاقِطَة وَلَكِنَّهَا لَا تُحِبّ أَنْ تَرَى اَلْفَتَيَات سَاقِطَات مَثَلهَا
وَلَوْ كَانَ فِي اِسْتِطَاعَة اَلْمَرْأَة اَلسَّاقِطَة أَنْ تَسْتَرْجِع بِتَوْبَتِهَا وَإِنَابَتهَا مَكَانَتهَا
فِي قُلُوب اَلنَّاس وَأَنْ تَمْحُو بِصَلَاحِهَا مَا سَلَفَ مِنْ فَسَادهَا لَكَانَتْ هِيَ أَقْرَب اَلنِّسَاء
إِلَى اَلتَّوْبَة وَالنُّزُوع وَلَكِنَّ اَلْمُجْتَمَع اَلَّذِي أَسْقَطَهَا وَسَلَبَهَا ذَلِكَ اَلرِّدَاء مِنْ اَلشَّرَف
اَلَّذِي كَانَتْ تَرْتَدِيه يَأْبَى عَلَيْهَا أَنْ يُعِيد إِلَيْهَا رِدَاءَهُ إِنَّ طَلَبَته فَلَا بُدّ لَهَا مِنْ
اَلِاسْتِمْرَار فِي سُقُوطهَا رَاضِيَة أَوْ كَارِهَة وَكَذَلِكَ كَانَ شَأْنهَا .
وَلِمَ يُمْضِ عَلَى مَرْغِرِيت فِي حَيَاتهَا هَذِهِ أَكْثَر مِنْ بِضْعَة أَعْوَام حَتَّى نَزَلَ بِهَا مَرَض
حَجْبهَا فِي بَيْتهَا عِدَّة أَيَّام ثُمَّ اِشْتَدَّ عَلَيْهَا فَأَشَارَ عَلَيْهَا اَلْأَطِبَّاء أَنْ تَذْهَب إِلَى
حَمَّامَات البانيير لِلِاسْتِشْفَاءِ بِمَائِهَا وَهَوَائِهَا فَسَافَرَتْ إِلَيْهَا وَحْدهَا وَلَا تَصْحَبهَا
إِلَّا خَادِمَتهَا وَكَانَ فِي ذَلِكَ اَلْمُصْطَاف فِي هَذَا اَلْعَام سِيخ مِنْ اَلْأَثْرِيَاء اِسْمه
اَلدُّوق موهان حَضَرَ إِلَيْهَا مَعَ اِبْنَته وَكَانَتْ مَرِيضَة بِدَاء اَلصَّدْر ليستشفى لَهَا مِنْ
دَائِهَا فَلَمْ يَجِدهَا اَلْعِلَاج وَمَاتَتْ بَيْن يَدَيْهِ فَدَفَنَهَا هُنَاكَ وَلَبِثَ بَعْد مَوْتهَا عِدَّة
أَيَّام يَخْتَلِف إِلَى قَبْرهَا وَيُبْكِيهَا بُكَاء شَدِيدًا فَإِنَّهُ لِعَائِد مِنْ اَلْمَقْبَرَة ذَات يَوْم
إِذْ لَمَّحَ فِي طَرِيقه مَرْغِرِيت سَائِرَة وَحْدهَا وَكَانَ ذَلِكَ اَلْيَوْم اَلثَّانِي مِنْ وُصُولهَا إِلَى
البانيير فَدُهِشَ لِمَنْظَرِهَا دَهْشَة عُظْمَى وَخَيْل إِلَيْهِ أَنَّ اَللَّه قَدْ بَعَثَ لَهُ اِبْنَته مَنْ
قَبَرَهَا أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ خَيَالهَا لِيَعْزِيَهُ عَنْهَا لِمَكَان اَلشُّبَه بَيْن صُورَة هَذِهِ اَلْفَتَاة
وَصُورَتهَا فَتَقَدَّمَ نَحْوهَا ذاهلا مَشْدُوهًا وَأَمْسَكَ بِطَرَف رِدَائِهَا وَظَلَّ يُحَدِّق فِي وَجْههَا
تَحْدِيقًا طَوِيلًا فَعَجِبَتْ لِشَأْنِهِ وَسَأَلَتْهُ مَا بَاله ? فَقَالَ لَهَا هَا تَأْذَنِينَ لِي يَا
سَيِّدَتِي أَنْ ‎ اِقْبَلْ يَدك ? فَمَدَّتْ إِلَيْهِ يَدهَا وَهِيَ لَا تَعْلَم ماذ ‎ يُرِيد وَلَا مَا اَلَّذِي
أَصَابَهُ فَلَثَمَهَا ثُمَّ اِعْتَذَرَ إِلَيْهَا عَنْ جُرْأَته بِذُهُولِهِ وَدَهْشَته وَمَشَى مَعَهَا يَقُصّ عَلَيْهَا
قِصَّته وَقِصَّة مُصَابه فِي اِبْنَته وَمَا رَاعَهُ مِنْ اَلشَّبَه بَيْن صُورَتهَا وَصُورَتهَا فَرَثَتْ لَهُ
وَحَزِنَتْ لِحُزْنِهِ وَاسْتَهَلَّتْ دَمْعَة رَآهَا اَلشَّيْخ مِنْ خِلَال أَهْدَاب عَيْنَيْهَا اَلْمُبْتَلَّة
بِالدُّمُوعِ فَسَقَطَ عَلَى يَدهَا يَقْبَلهَا وَيَشْكُر لَهَا تِلْكَ اَلدَّمْعَة اَلَّتِي جَادَتْ بِهَا عَلَيْهِ
فِي سَاعَة شَقَائِهِ وَلَمْ يَزَلْ سَائِرًا مَعَهَا حَتَّى وَصَلَا إِلَى اَلْمَنْزِل فَوَدَّعَهَا وَمَضَى بَعْد
مَا بِالْإِغْوَاءِ أَنْ يَتَخَلَّف إِلَيْهَا مِنْ حِين إِلَى حِين بِالْإِغْوَاءِ بِذَلِكَ وَصَعِدَتْ إِلَى
غُرْفَتهَا فَلَمَّا خَلَتْ بِنَفْسِهَا أَنْشَأَتْ تُفَكِّر فِي أَمْر تِلْكَ اَلْفَتَاة اَلْمِسْكِينَة اَلَّتِي
اِخْتَطَفَهَا اَلْمَوْت مِنْ يَد أَبِيهَا فِي زَهْرَة صِبَاهَا مِنْ حَيْثُ لَمْ يَسْتَطِعْ طَبِيب وَلَا عَائِد
رَدّ دَعَايَة اَلْقَضَاء عَنْهَا ثُمَّ خَطَرَ لَهَا أَنَّهَا مَرِيضَة بِمِثْل اَلْمَرَض اَلَّذِي مَاتَتْ بِهِ
وَأَنَّهَا رُبَّمَا مَاتَتْ مَوْتَتهَا فَلَا تَجُدْ بِجَانِبِهَا أَبَا كَهَذَا اَلْأَب يَنْدُبهَا وَيَبْكِي
عَلَيْهَا فَأَثَر فِي نَفْسهَا هَذَا اَلْخَاطِر تَأْثِيرًا شَدِيدًا وَبَكَتْ لَهُ بُكَاء طَوِيلًا وَلَزِمَتْ
غُرْفَتهَا فِي ذَلِكَ اَلْيَوْم لَا تُفَارِقهَا .
وَظَلَّ اَلدُّوق يَخْتَلِف إِلَيْهَا بَعْد ذَلِكَ فَيُجَالِسهَا طَوِيلًا وَيَجِد مِنْ اَلْأُنْس بِهَا
وَالِاغْتِبَاط بِعَشَرَتِهَا مَا تَسْكُن بِهِ لَوْعَة نَفْسه كُلَّمَا شَبَّهَا اَلْوَجْد فِي صَدْره حَتَّى أَصْبَحَ
لَا يَسْتَطِيع مُفَارَقَتهَا سَاعَة وَاحِدَة وَكَأَنَّمَا لَذَّ لَهَا أَنْ يَرَى ذَلِكَ اَلشَّيْخ الثامل
اَلْمَنْكُوب فِي وَجْههَا سَلْوَته وَعَزَاءَهُ فَمَنَحَهُ مِنْ عَطْفهَا وَحُبّهَا مَا لَمْ تَمْنَحهُ أَحَدًا
مِنْ قَبْله وَأَنِسَتْ بِهِ أُنْسًا لَمْ تَأْنَسهُ بِإِنْسَان سِوَاهُ .
وَمَا هِيَ أَيَّام قَلَائِل حَتَّى أَبْلَتْ مِنْ مَرَضهَا بَعْض الإبلال وَعَاد إِلَى وَجْههَا رَوْنَقه
وَبَهَاؤُهُ وَإِلَى ثَغْرهَا اَلْبَدِيع اِبْتِسَامه وافتراره فَلَذَّ لَهَا اَلْمَقَام فِي البانيير
أَيَّامًا طِوَالًا حَتَّى شَعَرَتْ بِهُبُوب رِيَاح اَلشِّتَاء فَأَزْمَعَتْ اَلْعَوْدَة إِلَى بَارِيس فَشَقَّ ذَلِكَ
عَلَى اَلدُّوق وَعَلَم أَنَّهَا إِنْ عَادَتْ إِلَيْهَا لَا يَظْفَر مِنْهَا فِي ذَلِكَ اَلْمُزْدَحِم اَلْعَظِيم
اَلْحَافِل بِخُلَّانِهَا وَأَصْدِقَائِهَا بِمِثْل مَا كَانَ يَظْفَر بِهِ مِنْهَا فِي البانيير فَخَلَّى بِهَا
لَيْلَة اَلسَّفَر سَاعَة وَحَادَثَهَا حَدِيثًا طَوِيلًا وَانْتَهِي بِالِاتِّفَاقِ مَعَهَا عَلَى أَنْ تَهْجُر
حَيَاتهَا اَلْأَوْلَى حَيَاة المخالة وَالْمُعَاشَرَة وَتَعِيش فِي مَنْزِل يُهَيِّئهُ لَهَا يوقم
بِنَفَقَاتِهَا فِيهِ عَلَى أَنْ تَأْذَن لَهُ بِالِاخْتِلَافِ إِلَيْهَا مِنْ حِين إِلَى حِين ثُمَّ سَافَرَا فِي
اَلْيَوْم اَلثَّانِي إِلَى بَارِيس . .
وَمُنْذُ ذَلِكَ اَلْيَوْم تَغَيَّرَتْ صُورَة حَيَاتهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ قَبْل فَأَصْبَحَتْ تَعِيش فِي
قَصْرهَا اَلَّذِي هَيَّأَهُ لَهَا اَلدُّوق عَيْشًا بَيْن اَلْعُزْلَة وَالِاخْتِلَاط فَلَا تَسْتَقْبِل اَلنَّاي
فِيهِ إِلَّا قَلِيلًا وَلَا تَمْتَزِج مَعَ اَلَّذِينَ تَسْتَقْبِلهُمْ اَلِامْتِزَاج كُلّه وَرُبَّمَا مَرَّتْ بِهَا
أَيَّام لَا يَرَاهَا اَلنَّاس خَارِج قَصْرهَا إِلَّا قَلِيلًا فَإِذَا خَرَجَتْ رَكِبَتْ عَرَبَتهَا وَحْدهَا
دُون رَفِيق أَوْ رَفِيقه وَمَشَتْ فِي طَرِيقهَا تَقْرَأ فِي كِتَاب أَوْصِ حيفة فَرُبَّمَا مَرَّ بِهَا
كَثِير مِمَّنْ تُعَرِّفهُمْ فَلَا تَرَاهُمْ فَإِذَا وَقَعَ نَظَرهَا عَلَى وَاحِد مِنْهُمْ اِبْتَسَمَتْ أَدْرَاجهَا
حَتَّى تَصِل مُنَزَّه الشانزليزيه فَتَنْزِل مِنْ عَرَبَتهَا وَتَمْشِي فِي اَلْغَابَة عَلَى قَدَمَيْهَا
سَاعَة ثُمَّ تَعُود إِلَى قَصْرهَا فَإِذَا جَاءَ اَللَّيْل ذَهَبَتْ إِلَى مَلْعَب اَلتَّمْثِيل وَحْدهَا أَوْ
مَعَ اَلرَّجُل اَلْقَائِم بِشَأْنِهَا فَتَقْضِي فِيهِ أَكْثَر وَقْتهَا نَاظِرَة إِلَى اَلْمَسْرَح لَا يَشْغَلهَا
كَثْرَة اَلنَّاظِرِينَ إِلَيْهَا أَوْ اَلْمُتَهَافِتِينَ عَلَى مَقْصُورَتهَا عَنْ تَتَبُّع فُصُول اَلرِّوَايَة
وَالِاهْتِمَام بِوَقْعِهَا حَتَّى تَنْتَهِي .
فَلَمْ تَمْضِ عَلَيْهَا أَيَّام كَثِيرَة حَتَّى عِلْم اَلنَّاس جَمِيعًا أَنَّ مَرْغِرِيت قَدْ اِسْتَحَالَتْ
حَالهَا وَتَغَيَّرَتْ صُورَة حَيَاتهَا وَأَنَّهَا قَدْ قَنِعَتْ بِهَذِهِ اَلْحَيَاة اَلْجَدِيدَة حَيَاة اَلْهُدُوء
وَالسَّكِينَة وَالْوَحْشَة وَالِانْفِرَاد وَرَضِيتهَا لِنَفْسِهَا فَلَا سَبِيل إِلَى مُغَالَبَتهَا عَلَيْهَا
فَقَصَّرَتْ عَنْهَا أَسْمَاعهمْ وَانْقَطَعَتْ مِنْهَا سَبِيل إِلَى مُغَالَبَتهَا عَلَيْهَا فَقَصَّرَتْ عَنْهَا
أَطْمَاعهمْ وَانْقَطَعَتْ مِنْهَا آمَالهمْ وَظَلُّوا يَتَلَمَّسُونَ اَلْأَسْبَاب لِتِلْكَ اَلْحَالَة اَلْغَرِيبَة
اَلَّتِي طَرَأَتْ عَلَيْهَا فَذَهَبُوا فِي شَأْنهَا اَلْمَذَاهِب كُلّهَا إِلَّا اَلْمَذْهَب اَلصَّحِيح مِنْهَا
وَهِيَ أَنَّ تِلْكَ اَلْحَادِثَة اَلْمُحْزِنَة اَلَّتِي حَدَثَتْ لِابْنَة اَلدُّوق شَبِيهَتهَا فِي صُورَتهَا
وَمَرَضهَا قَدْ أَثَّرَتْ فِي نَفْسهَا تَأْثِيرًا شَدِيدًا وَصَوَّرَتْ لَهَا اَلْحَيَاة بِصُورَة غَيْر صُورَتهَا
اَلْأُولَى فَأَصْبَحَتْ تَعَاف اَلرِّجَال لِأَنَّهُمْ سَبَب سُقُوطهَا وَتَسْتَنْكِر سُقُوطهَا أَكْثَر مِمَّا
اِسْتَنْكَرَتْهُ مِنْ قَبْل لِأَنَّهُ سَبَب مَرَضهَا وَلَا تَأَسُّف عَلَى مَا فَاتَهَا مِمَّا فِي أَيْدِي اَلنَّاس
لِأَنَّهَا تَعِيش مِنْ مَال اَلدُّوق فِي نِعْمَة لَا يَطْمَع طَامِع فِي أَكْثَر مِنْهَا وَرُبَّمَا خَطَرَ لَهَا
أَنَّ حَيَاتهَا مَعَ هَذَا اَلشَّيْخ اَلْهَرِم اَلَّذِي لَا يَطْمَع مِنْهَا فِي أَكْثَر مِنْ أَنْ يَرَاهَا
تَشَبُّه حَيَاة اَلْعَذَارَى اَلطَّاهِرَات اَللَّوَاتِي يَنْعَمْنَ بِنِعْمَة اَلشَّرَف فِي ظِلَال آبَائِهِنَّ
فَأَعْجَبَهَا هَذَا اَلْخَيَال وَلَذَّ لَهَا وَكَثِيرًا مَا بَكَتْ ذَلِكَ اَلشَّرَف قَبْل اَلْيَوْم وَحَنَّتْ إِلَيْهِ
.
اِنْقَضَتْ أَيَّام اَلْخَرِيف وَأَقْبَلَتْ أَيَّام اَلشِّتَاء وَسَالَتْ اَلْأَجْوَاء بَرْدًا وَقَّرَا فَثَارَ مَا
كَانَ كَامِنًا مِنْ دَاء مَرْغِرِيت وَعَاد إِلَيْهَا نَفَثَهَا وسعالها فَظَلَّتْ تُكَابِد مِنْ مَرَضهَا
آلَامًا جِسَامًا لَا تَفَرُّقهَا يَوْمًا حَتَّى تُعَاوِدهَا أَيَّامًا فَإِنْ أَلَمَّتْ بِهَا أَلْزَمَتْ سَرِيرهَا
لَا تُفَارِقهُ وَإِنْ رَوَّحَتْ عَنْهَا بَرَزَتْ إِلَى اَلْخَلَاء فِي بكور اَلْأَيَّام وأصائلها تَطَلَّبَ
اَلْهَوَاء اَلطَّلْق وَالْجَوّ اَلنَّقِيّ وَرُبَّمَا ذَهَبَتْ فِي بَعْض لَيَالِيهَا إِلَى مَلْعَب اَلتَّمْثِيل
لِتَتَفَرَّج مَا هِيَ فِيهِ فَتَخْلُو بِنَفْسِهَا فِي مَقْصُورَتهَا سَاعَة أَوْ سَاعَتَيْنِ ثُمَّ تَعُود إِلَى
مَنْزِلهَا .
وَكَانَتْ لَا يَزَال تَرَى فِي اَلْمَقْصُورَة اَلْمُجَاوِرَة لِمَقْصُورَتِهَا كُلَّمَا ذَهَبَتْ إِلَى اَلْمَلْعَب
فَتَى فِي زِيّ أَبْنَاء اَلْأَشْرَاف وَشَمَائِلهمْ لَا يَزَال يخالسها النطر مِنْ حِين إِلَى حِين
فَيَنْظُر إِلَيْهَا إِنْ غَضَّتْ عَنْهُ وَيَقْضِي عَنْهَا إِنْ نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَلَا يَلْتَقِي نَظَرهَا بِنَظَرِهِ
حَتَّى يتلهب وَجْهه حُمْرَة وَيَرْفُض جَبِينه عَرَقًا كَأَنَّمَا جَنَى جِنَايَة لامقيل لَهُ مِنْهَا
فَلَمْ تَحْفُل بِهِ كَثِيرًا لِأَنَّهَا لَمْ تَرَ فِي أَمْره شَيْئًا جَدِيدًا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَعَجُّب
لِسُكُونِهِ وَجُمُوده وَطُول إغضائه وَإِطْرَاقه وَلِتِلْكَ اَلْعِبْرَة مِنْ اَلْحُزْن اَلْمُنْتَشِرَة عَلَى
وَجْهه وَكَانَ أَكْثَر مَا يُدْهِشهَا مِنْهُ أَوْ يُعْجِبهَا أَنَّهُ اَلْفَتَى اَلْوَحِيد اَلَّذِي كَانَ يَبْكِي
فِي ذَلِكَ اَلْمُجْتَمَع اَلْمُنْتَظَر اَلْمُشَاهَد اَلْمُحْزِنَة اَلَّتِي تُمَثِّل عَلَى مَسْرَح اَلتَّمْثِيل
لِأَنَّهَا تَعْلَم أَنَّ اَلْفِتْيَان اَلْفَرِحِينَ اَلْمُغْتَبِطِينَ بِشَبَابِهِمْ وَصِحَّتهمْ وَلَا يَحْفُلُونَ
بِمَنَاظِر اَلشَّقَاء اَلْحَقِيقِيَّة فَأَحْرَى أَنْ لَا يَحْفُلُوا بِتَمْثِيلِهَا .
فَإِنَّهَا اَلْحَالِيَّة بِنَفْسِهَا فِي مَقْصُورَة ذَات لَيْلَة وَكَانَ اَلْجَوّ بَارِدًا مُقْشَعِرًّا إِذْ
فَاجَأَتْهَا نَوْبَة سُعَال اِشْتَدَّتْ عَلَيْهَا كَثِيرًا حَتَّى كَادَتْ تَسْقُط عَنْ كُرْسِيّهَا ضَعْفًا
وَوَهْنًا فَشَعَرَتْ بِيَد تُمْسِك يَدهَا فَاعْتَمَدَتْ عَلَيْهَا دُون أَنْ تَسْتَطِيع اَلِالْتِفَات إِلَى
صَاحِبهَا حَتَّى بَلَغَتْ عَرَبَتهَا فَرَكِبْتهَا فَشَعَرَتْ بِالرَّاحَةِ قَلِيلًا فَالْتَفَتَتْ لِتَشْكُر لِصَاحِب
تِلْكَ اَلْيَد يَده لَمْ تُرِ أَمَامهَا أَحَدًا وَرَأَتْ عَلَى بُعْد خُطُوَات مِنْهَا إِنْسَانًا مُنْصَرِفًا
فَلَمْ تَتَمَكَّن مِنْ رُؤْيَته إِلَّا أَنَّهَا تَخَيَّلَتْ صُورَته تَخَيُّلًا فَعَجِبَتْ لِأَمْرِهِ وَمَضَتْ فِي
طَرِيقهَا فَمَا وَصَلْت إِلَى مَنْزِلهَا حَتَّى شَعَرَتْ برعدة اَلْحُمَّى تَتَمَشَّى فِي أَعْضَائِهَا فَلَزِمَتْ
سَرِيرهَا بِضْعَة أَيَّام لَا تُفَارِقهُ حَتَّى أَبْلَتْ قَلِيلًا فَقَدَّمَتْ إِلَيْهَا خَادِمَتهَا بِطَاقَات
اَلزِّيَارَة اَلَّتِي تَرَكَهَا اَلْفِتْيَان اَلَّذِينَ زَارُوهَا فِي اثناء مَرَضهَا تُجْمِلَا وَتَلُومَا
فَلَمْ تَقْرَأ وَاحِدَة مِنْهَا ثُمَّ حَدَّثَتْهَا اَلْخَادِم أَنَّ فَتَى كَانَ يَأْتِي لِلسُّؤَالِ عَنْهَا فِي كُلّ
يَوْم مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ وَلَا يَذْكُر اِسْمه وَلَا يَتْرُك بِطَاقَته وَأَنَّهُ كَانَ يَنْقَبِض اِنْقِبَاضًا
شَدِيدًا كُلَّمَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَا تَزَال طَرِيحَة فِرَاشهَا تَشْكُو وَتَتَأَلَّم فاستوصفتها
إِيَّاهُ فَوَصَفَتْهُ لَهَا فَلَمْ تَعْرِفهُ وَعَجِبَتْ لِأَمْرِهِ كُلّ اَلْعَجَب وَتَمَنَّتْ لَوْ رَأَتْهُ فَشَكَرَتْ لَهُ
هَذَا اَلْإِخْلَاص اَلنَّادِر اَلَّذِي لَا عَهْد لَهَا بِهِ فِي أَحَد مِنْ اَلنَّاس وَأَمَرَتْ خَادِمَتهَا أَنْ
تُخْبِرهَا خَبَره إِنْ جَاءَ لِلسُّؤَالِ عَنْهَا مَرَّة أُخْرَى فَلَمْ يَلْبَث أَنْ جَاءَ وَكَانَتْ مَرْغِرِيت
جَالِسَة فِي شُرْفَة اَلْمَنْزِل اَلْمُطِلَّة عَلَى اَلطَّرِيق فَرَأَتْهُ فَعَرَفَتْ أَنَّهُ ذَلِكَ اَلْفَتَى
اَلْحَزِين اَلَّذِي كَانَتْ تَرَاهُ فِي اَلْمَقْصُورَة اَلْمُجَاوِرَة لِمَقْصُورَتِهَا فِي مَلْعَب اَلتَّمْثِيل
وَأَنَّهُ صَاحِب تِلْكَ اَلْيَد اَلَّتِي اِمْتَدَّتْ لِمَعُونَتِهَا لَيْلَة اَلنَّازِلَة اَلَّتِي نَزَلَتْ بِهَا هُنَاكَ
فَأَشَارَتْ إِلَى خَادِمَتهَا بِالنُّزُولِ إِلَيْهِ وَاسْتِدْعَائِهِ إِلَيْهَا فَفَعَلَتْ فَاضْطَرَبَ اَلْفَتِيّ
لِهَذِهِ اَلدَّعْوَة اِضْطِرَابًا شَدِيدًا حَتَّى كَادَ يَرْفُضهَا ثُمَّ شَعَرَ بِمَكَان مَرْغِرِيت مِنْ اَلشُّرْفَة
فَتَلُوم وَمَشْي وَرَاء اَلْخَادِمَة حَتَّى صَعِدَتْ بِهِ إِلَى غُرْفَة سَيِّدَتهَا فَتَرَكْته وَانْصَرَفْت
فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَحَيَّاهَا وَوَجْهه يَرْفُض عِرْقًا وَلِسَانه لَا يَكَاد يُبَيِّن فَمَدَّتْ إِلَيْهِ يَدهَا
فَتَنَاوَلَهَا وَقَبِلَهَا قُبْلَة طَوِيلَة عَرَفَتْ مَرْغِرِيت سِرّ مَا أُودِعهَا مِنْ عَوَاطِف قَلْبه وَهِيَ
اَلْعَالِمَة بِأَسْرَار اَلْقُبُلَات ثُمَّ آذَنَتْهُ بِالْجُلُوسِ فَجَلَسَ فَأَنْشَأَتْ تُسَائِلهُ عَنْ نَفْسه وَعَنْ
قَوْمه وَعَنْ سَبَب اِهْتِمَامه بِشَأْنِهَا وَتَبْتَسِم لَهُ فِيمَا بَيْن ذَلِكَ اِبْتِسَامَات تُلَاطِفهُ
بِهَا وَتَمْسَح عَنْ فُؤَاده مَا أُلِمّ بِهِ مِنْ اَلرَّوْع فَحَدَّثَهَا أَنَّهُ غَرِيب عَنْ بَارِيس وَأَنَّهُ
وَفَدَ إِلَيْهَا مُنْذُ عِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ بَلْدَته نيس لِيَقْضِيَ فِيهَا ثَلَاثَة أَشْهُر أُذُن لَهُ
أَبُوهُ بِهَا طَلَبًا لِتَغْيِير اَلْهَوَاء وَتَرْوِيح اَلنَّفْس ثُمَّ يَعُود فِي نِهَايَتهَا إِلَى وَطَنه
فَسَأَلَتْهُ هَلْ وَجَدَ اَلْمَقَام حَمِيدًا هُنَا فَصَمَتَ هُنَيْهَة ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا نَظْرَة مُنْكَسِرَة
وَقَالَ لَا يَا سَيِّدَتِي قَالَتْ لِمَاذَا فَحَارَتْ بَيْن شَفَتَيْهِ كَلِمَة لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَنْطِق بِهَا
فَعَادَ إِلَى صَمْته وَإِطْرَاقه فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ سُؤَالهَا فَقَالَ لَهَا هَلْ تَأْذَنِينَ لِي يَا سَيِّدَتِي
أَنْ أَقُول لَك كُلّ مَا فِي نَفْسِي فَشَعَرَتْ بِمَا فِي نَفْسه قَبْل أَنْ يَقُولهُ وَقَالَتْ لَهُ قُلْ مَا
تَشَاء إِلَّا أَنْ تُطَارِحنِي حُبّك وَغَرَامك فَإِنَّنِي اِمْرَأَة مَرِيضَة لَا أَسْتَطِيع أَنْ اِحْتَمَلَ
اَلْحَيَاة وَحْدهَا خَالِصَة لَا مؤونة فِيهَا فَأَحْرَى أَنْ لَا اِحْتَمَلَهَا مُثْقَلَة بِالْحُبِّ
وَالْغَرَام فَاصْفَرَّ وَجْهه اِصْفِرَار شَدِيدًا وَمَدّ يَده إِلَى دَمْعَة تَتَرَقْرَق فِي عَيْنَيْهِ
فَمَسْحهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا ذَلِكَ مَا يُحْزِننِي يَا سَيِّدَتِي وَيُبْكِينِي وَيُنَغِّص لِي عَيْشِي مُنْذُ
هَبَطَتْ بَارِيس حَتَّى اَلْيَوْم فَإِنَّنِي رَأَيْتُك فَأَحْبَبْتُك لِلنَّظْرَةِ اَلْأُولَى ثُمَّ سَأَلَتْ عَنْك
فَعَرَفَتْ مَنْ أَمَرَك كُلّ شَيْء وَعَلِمَتْ أَنَّك تَعِيشِينَ مُنْذُ شُهُور عِيشَة لَا مَطْمَع فِيهَا
لِطَامِع وَلَا ‎ أَمَلّ لِآمُل فَانْقَطَعَ أَمَلِي مِنْك إِلَّا أَنَّ حُبِّي إِيَّاكَ لَمّ يَنْقَطِع ثُمَّ رَأَيْتُك
بَعْد ذَلِكَ فِي مَلْعَب اَلتَّمْثِيل وَرَأَيْت هَذَا اَلْقِنَاع اَلْأَصْفَر اَلَّذِي نَسَجَتْهُ يَد اَلْمَرَض
عَلَى وَجْهك اَلْجَمِيل فَاسْتَحَالَ جي إِيَّاكَ رَحْمَة وَشَفَقَة وَأَصْبَحَتْ أَبْكِي لِمَرَضِك أَكْثَر مِمَّا
أَبْكِي لِحُبِّك وَأَصْبَحَ كُلّ مَا أَتَمَنَّى عَلَى اَللَّه فِي حَيَاتِي أَنْ أَرَاك بارئة نَاعِمَة
مَوْفُورًا لَك حَظّك مِنْ سَعَادَة اَلْعَيْش وَهَنَائِهِ ثُمَّ لَا أَطْمَع بَعْد ذَلِكَ فِي شَيْء مِمَّا
يَطْمَع فِيهِ اَلْمُحِبُّونَ اَلْمُغْرَمُونَ فَأَنَا أَقِف اَلسَّاعَة بَيْن يَدَيْك لَا لأطارحك اَلْحُبّ
وَالْغَرَام بَلْ لِأَسْأَل أَنْ تَأْذَنِي لِي بِالْوُقُوفِ عَلَى بَابك كُلَّمَا جُثَّته أَسْأَل خَادِمَتك
عَنْك ثُمَّ أَمْضِي لِسَبِيلِي مِنْ حَيْثُ لَا تريم وَجِّهِي وَلَا تَشْعُرِينَ بِمَكَانِيّ فَسَرَّتْ فِي
أَعْضَائِهَا رعدة غَيْر الرعدة اَلَّتِي تُعَرِّفهَا مِنْ اَلْحُمَّى وَخُيِّلَ إِلَيْهَا أَنَّهَا تَسْمَع نَغْمَة
فِي اَلْحُبّ غَيْر اَلنَّغْمَة اَلَّتِي كَانَتْ تَسْمَعهَا مِنْ قَبْل اَلْيَوْم مِنْ أَفْوَاه اَلرِّجَال فَنَظَرَتْ
إِلَيْهِ نَظْرَة لَا تَأْوِيلهَا إِلَّا اَللَّه تَعَالَى ثُمَّ قَالَتْ لَهُ إِنِّي آذَن لَك بِذَلِكَ يَا سَيِّدِي
وَأَشْكُرهُ لَك شُكْرًا جَزِيلًا بَلْ آذنك أَنْ تَزُورنِي كُلَّمَا شِئْت عَلَى أَنْ تَفِد إِلَى صَدِيقًا
مُسَاعِدًا لَا محبلا مُغْرَمًا فَإِنِّي إِلَى اَلْأَصْدِقَاء اَلْمُخَلِّصِينَ أَحْوَج مِنِّي إِلَى اَلْمُحِبِّينَ
اَلْمُغْرَمِينَ وَمَدَّتْ إِلَيْهِ يَدهَا فَعَلِمَ أَنَّهَا قَدْ آذَنَتْهُ بِالِانْصِرَافِ فَقَبِلَهَا وَانْصَرَفَ
مَسْرُورًا مُغْتَبِطًا فَأَتْبَعَتْهُ نَظَرهَا حَتَّى غَابَ عَنْهَا فَسَقَطَتْ وِسَادَة بِجَانِبِهَا وَقَالَتْ :
رَحِمَتْك اَللَّهُمَّ فَإِنِّي أَخَشِيَ أَنْ أُحِبّهُ .
لَقَدْ أَحْبَبْته مِنْ حَيْثُ لَا تَدْرِي فَإِنَّ اَلْخَوْف مِنْ اَلْحُبّ هُوَ اَلْحُبّ نَفْسه بَلْ شَعَرَتْ فِي
حُبّه بِسَعَادَة لَمْ تَشْعُر بِمِثْلِهَا مِنْ قَبْل فَأَصْبَحَتْ تَسْتَقْبِلهُ كُلّ يَوْم فِي مَنْزِلهَا وَتَأْنَس
بِهِ وَبِحَدِيثِهِ أَنَا كَثِيرًا وَتَقْضِي إِلَيْهِ بِذَات نَفْسهَا إِفْضَاء اَلصَّدِيق إِلَى صَدِيقه
وَتَقَصٍّ عَلَيْهِ قِصَّة مَاضِيهَا وَحَاضِرهَا وَلَا تُكَذِّبهُ شَيْئًا وَلَا تَكْتُم عَنْهُ أمرأ ثُمَّ
تَرَامَى بِهَا اَلْأَمْر حَتَّى أَصْبَحَتْ تَشْعُر بِالْوَحْشَةِ إِنْ تُخْلِف عَنْ مِيعَاد زِيَارَته بِضْع
دَقَائِق ثُمَّ حَدَثَ أَنْ اِنْقَطَعَ عَنْ زِيَارَتهَا ثَلَاثَة أَيَّام لِأَمْر عَرْض لَهُ لَمْ يَتَمَكَّن مِنْ
إِخْبَارهَا بِهِ فَحَزِنَتْ لِانْقِطَاعِهِ حُزْنًا عَظِيمًا وَذَهَبَتْ بِهَا اَلْوَسَاوِس وَالظُّنُون كُلّ مَذْهَب
ثُمَّ ذَكَرَتْ أَنَّ ذَلِكَ اَلْحُزْن وَهَذَا اَلْوَسَاوِس لَيْسَ مِنْ شَأْنهَا قَبْل اَلْيَوْم فَقَلِقَتْ لِذَلِكَ
قَلَقًا شَدِيدًا وَخَفْق قَلْبهَا خَفْقَة اَلرُّعْب وَالْخَوْف وَعَلِمَتْ أَنَّهَا قَدْ وَقَفَتْ عَلَى حَافَّة
اَلْهُوَّة وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تَتَرَدَّى فِيهَا فَسَهِرَتْ لَيْلَة طَوِيلَة عَالَجَتْ فِيهَا نوازع
اَلنَّفْس وَخَوَالِجهَا مَا عَالَجَتْ حَتَّى أَصْبَحَ اَلصَّبَاح وَقَدْ أَضْمَرَتْ فِي نَفْسهَا أَمْرًا .
جَاءَ أَرْمَان فِي صَبَاح اَلْيَوْم اَلرَّابِع فَوَجَدَهَا طَرِيحَة فِرَاشهَا وَفِي عَيْنَيْهَا حُمْرَة
اَلْبُكَاء وَالسَّهَر فَارْتَاعَ لِمَنْظَرِهَا وَقَالَ لَهَا لَعَلَّك سَهِرْت بِالْأَمْسِ كَثِيرًا يَا سَيِّدَتِي
أَوْ بَكَيْت فَإِنِّي أَرَى فِي عَيْنَيْك أَثَر وَاحِد مِنْهُمَا قَالَتْ هُمَا مَعًا يَا أَرْمَان قَالَ وَهَلْ
حَدَثَ شَيْء جَدِيد ? قَالَتْ اِجْلِسْ بِجَانِبِي قَلِيلًا أَيُّهَا اَلصَّدِيق أُحَدِّثك حَدِيثًا قَصِيرًا
وَرُبَّمَا كَانَ آخَر حَدِيث بَيْنِي وَبَيْنك ثُمَّ لَا أَرَاك بَعْد ذَلِكَ وَلَا تَرَانِي فَذُعِرَ ذُعْرًا
شَدِيدًا وَدَاخِله مِنْ اَلرُّعْب وَالْهَوْل مَا مَلَكَ عَلَيْهِ عَقْله وَلِسَانه فَلَمَّ يَسْتَطِيع أَنْ
يَقُول شَيْئًا وَسَقَطَ بِجَانِبِهَا وَاهِيًا متضعضعا وَظَلَّ يَنْظُر إِلَى وَجْههَا نَظَر اَلْمُتَّهَم
إِلَى وَجْه قاصيه .
سَاعَة نطفه بِالْحُكْمِ فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تُحَدِّثهُ وَتَقُول :
عَرَفَتْك يَا أَرْمَان فَعَرَفَتْ فِيك اَلرَّجُل اَلْكَرِيم اَلَّذِي أَحَبَّنِي لِنَفْسِي أَكْثَر مِمَّا أَحَبَّنِي
لِنَفْسِهِ وَالصَّدِيق اَلْوَفِيّ اَلَّذِي اِمْتَزَجَتْ فِي قَلْبه عَاطِفَة اَلْحُبّ بِعَاطِفَة اَلرَّحْمَة
وَالْحَنَان فَآوَى إِلَى مَرِيضه حِينَمَا جَفَانِي اَلنَّاس لِمَرَضِيّ وَعَاشَ مَعِي بِلَا أَمَل حِينَمَا
اِنْقَطَعَ اَلنَّاس عَنِّي لِانْقِطَاع أَمَلهمْ مِنِّي فَأَضْمَرَتْ لَك فِي قَلْبِي مِنْ اَلْحُبّ وَالِاحْتِرَام
مَا لَمْ أُضْمِرهُ أَحَد سِوَاك وَسَعِدَتْ بِك سَعَادَة لَمْ أَشْعُر بِمِثْلِهَا فِي يَوْم مِنْ أَيَّام حَيَاتِي
وَلَكِنَّ اَللَّه اَلَّذِي كَتَبَ لِي اَلشَّقَاء فِي لَوْح مَقَادِيره مِنْ ضجعة اَلْمَهْد إِلَى رَقْدَة
اَللَّحْد لَمْ يَشَأْ أَنْ يُمْتِعنِي طَوِيلًا بِهَذِهِ اَلسَّعَادَة وَأَبِي إِلَّا أَنْ يسلبنيها وَشِيكًا
فَقَدْ أَصْبَحَتْ أَشْعَر مُنْذُ أَيَّام أَنَّ تِلْكَ اَلْعَاطِفَة اَلشَّرِيفَة اَلْمُقَدَّسَة اَلَّتِي كُنْت أَسْتَمِدّ
مِنْهَا سَعَادَتِي وَهَنَائِي قَدْ أَخَذَتْ تَسْتَحِيل فِي أَعْمَاق قَلْبِي إِلَى عَاطِفَة أُخْرَى غَيْرهَا
لَا أُرِيدهَا لِنَفْسِي وَلَا أَرَى إِلَّا أَنَّهَا سَتَكُونُ سَبَب شَقَائِي وَبَلَائِي فَخَادَعَتْ نَفْسِي
عَنْهَا حِينًا أَكْذَبهَا مَرَّة وَأَصْدَقهَا أُخْرَى حَتَّى كَانَ مَا كَانَ مِنْ اِنْقِطَاعك عَنَى تِلْكَ
اَلْأَيَّام اَلثَّلَاثَة فَشَعَرَتْ لِغِيَابِك بِحُزْن قَلْبِيّ وأمضني وَمَلِك عَلِيّ جَمِيع عَوَاطِفِي
وَمَشَاعِرِي وَلَوْ شِئْت أَنْ أَقُول لَقُلْت إِنَّهُ أَبْكَانِي كَثِيرًا وأسهرني طَوِيلًا فَعَلِمَتْ
وأسفاه أَنَّنِي قَدْ أَصْبَحَتْ عَاشِقَة وَأَنْ هَذَا اَلَّذِي يَخْتَلِج فِي قَلْبِي وَيُقِيمنِي وَيُقْعِدنِي
إِنَّمَا هُوَ اَلْحُبّ وَالْغَرَام فَقَضَيْت لَيْلَة اَلْأَمْس كُلّهَا أُفَكِّر فِي طَرِيق اَلْخَلَاص مِنْ هَذِهِ
اَلنَّكْبَة اَلْعُظْمَى اَلَّتِي نَزَلَتْ بِي فَلَمْ أَجِد أَحَدًا يُخَلِّصنِي مِنْهَا سِوَاك فَأَنَا أَسْأَلك
يَا أَرْمَان بَاسِم اَلصَّدَاقَة وَالْوِدّ اَلَّذِي تَعَاقَدْنَا عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ بَلْ بِاسْم اَلدُّمُوع
اَلَّتِي طَالَمَا كُنْت تَسْكُبهَا رَحْمَة بِي وَإِشْفَاقًا عَلَيَّ أَنْ تَنْقَطِع عَنْ زِيَارَاتِي مُنْذُ
اَلْيَوْم وَأَنْ تُسَافِر إِلَى أَهْلك اَللَّيْلَة إِنْ اِسْتَطَعْت ثُمَّ لَا تُعَدّ إِلَى بُعْد ذَلِكَ فَأَحْمِل
نَفْسِي عَلَى اَلصَّبْر عَنْك حَتَّى يَمُنّ اَللَّه بِرَاحَة اَلْيَأْس مِنْك .
ثُمَّ نَظَرَتْ إِلَيْهِ لِتَرَى مَا يَقُول فَإِذَا هُوَ جَامِد مُصْفَرّ كَأَنَّ وَجْهه وَجْه تِمْثَال مَنْحُوت
وَإِذَا عَيَّنَّاهُ شَاخِصَتَانِ إِلَيْهَا شُخُوص اَلْعَيْن اَلْقَائِمَة اَلَّتِي تَنْظُر إِلَى اَلشَّيْء وَلَا
تَرَاهُ وَبَعْد لِأَيّ مَا اِسْتَطَاعَ أَنْ يُحَرِّك شَفَتَيْهِ وَيَقُول لَهَا بِصَوْت خَافِت كَصَوْت اَلضَّمِير
وَمَا يُخْفِيك مِنْ اَلْحُبّ يَا مَرْغِرِيت قَالَتْ يُخْفِينِي مِنْهُ اَلْعِقَاب اَلْأَلِيم اَلَّذِي أَتَوَقَّع
أَنْ يُعَاقِبنِي بِهِ اَللَّه عَلَى مَا اِقْتَرَفَتْ مِنْ اَلذُّنُوب وَالْآثَام فِي فَاتِحَة حَيَاتِي فَقَدْ
كُتِبَ اَللَّه لَنَا مَعْشَر اَلنِّسَاء اَلسَّاقِطَات فِي لَوْح مَقَادِيره أَنْ لَا نَزَال نَعْبَث بِقُلُوب
اَلرِّجَال وَعُقُولهمْ وَنَبْتَلِيهِمْ بِصُنُوف اَلْعَذَاب وَأَنْوَاع اَلْآلَام حَتَّى يَغْضَب اَللَّه لَهُمْ
وَيَغَار عَلَيْهِمْ فَيَبْتَلِينَا بِحُبّ نَحْمِل فِيهِ اَلْعَذَاب جَمِيع مَا حَمَّلْنَاهُ مِنْ قَبْل وَنَشْقَى
فِيهِ شَقَاء لَا يَنْتَهِي إِلَّا بِانْتِهَاء حَيَاتنَا فَنَمُوت بَيْن يَدَيْ أَنْفُسنَا مُهْمَلَات
مُغَفَّلَات لَا يَنْعَانَا نَاعٍ وَلَا يُبْكِي عَلَيْنَا بِك فَهَذَا اَلَّذِي أَخَافهُ وَأَخْشَاهُ وَأُحِبّ أَنْ
يَسْبِق إِلَى أَجْلِي قَبْل أَنْ أَرَاهُ .
أَنَا لَا أَتَّهِمك بِالْخِيَانَةِ وَالْغَدْر يَا أَرْمَان فَأَنْتَ أَجْل مَنْ ذَلِكَ عِنْدِي وَلَكِنِّي أَعْلَم
أَنَّك بَاقٍ فِي هَذَا اَلْبَلَد إِلَى أَجَل فَإِذَا اِنْقَضَى اَلْأَجَل سَافَرَتْ إِلَى أَهْلك سَفَرًا لَا
تَمْلِك بَعْده اَلْعَوْدَة إِلَيَّ فَإِنَّ أَبَيْت إِلَّا اَلْبَقَاء بِجَانِبَيْ حَال أَهْلك بَيْنِي وَبَيْن ذَلِكَ
لِأَنَّهُمْ قَوْم شُرَفَاء يَضَنُّونَ بِك وَبِشَرَفِك أَنَّ تَلَوُّثهمَا اِمْرَأَة مُومِس بِعَارِهَا وشنارها
أَقِف مَوْقِف اَلْحَيْرَة وَاللَّوْعَة أَطْلُب اَلسَّبِيل إِلَيْك فَلَا أَجِدك والسلو عَنْك فَلَا
أَسْتَطِيعهُ وَرُبَّمَا حَاوَلَتْ بَعْد ذَلِكَ اَلْعَوْدَة إِلَى كَنَف ذَلِكَ اَلشَّيْخ اَلْكَرِيم اَلَّذِي أَحْسَنَ
إِلَيَّ إِحْسَانًا كَبِيرًا فَطَرَدَنِي مِنْ بَيْن يَدَيْهِ عِقَابًا لِي عَلَى خِيَانَة عَهْده وَكَفْر نِعْمَته
فَلَا أَجِد لِي بُدًّا مِنْ اَلرُّجُوع إِلَى حَيَاتِي اَلْأُولَى حَيَاة اَلشُّرُور وَالْآثَام وَالْهُمُوم
وَالْآلَام اَلَّتِي أَبْغَضْتهَا بُغْض اَلْأَرْض لِلدَّمِ وَهُنَالِكَ اَلْعَذَاب اَلدَّائِم وَالشَّقَاء
وَالطَّوِيل .
أَنِّي أَعْلَم يَا أَرْمَان أَنَّك تُحِبّنِي حُبًّا جَمًّا وَأَنَّك سَتُكَابِدُ فِي اِبْتِعَادك عَنِّي عَذَابًا
كَثِيرًا وَلَكِنِّي أَعْلَم أَنَّ قَلْبًا طَرِيفًا يَحْتَمِل اَلْعَذَاب فِي سَبِيل اَلرَّحْمَة فَاحْتَمَلَ هَذَا
اَلْعَذَاب مِنْ أَجْلِي فَإِنَّك أَقْدَر مِنِّي عَلَى اِحْتِمَال اَلْآلَام وَالْأَوْجَاع وَسَأُعَوِّدُ اَللَّه
تَعَالَى لَيْلِي وَنَهَارِي أَنْ يَمْنَحنِي اَلصَّبْر عَنْك وَيَرْزُقنِي رَاحَة اَلنَّفْس وَسُكُونهَا مِنْ
بَعْدك وَأَنْ يَمْنَحك مِنْ ذَلِكَ مِثْل مَا يَمْنَحنِي فَلَعَلَّهُ يَرْحَمنَا جَمِيعًا .
فَلَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَاب عَلَى كَلِمَتهَا هَذِهِ سِوَى أَنْ نَهَضَ مِنْ مَكَانه متضعضعا مُتَهَالِكًا
وَمَشَى إِلَى بَاب اَلْقَاعَة يَسُوق نَفْسه سُوقًا حَتَّى بَلَّغَهُ فَوَقَفَ عَلَى عَتَبَته وَالْتَفَتَ إِلَى
مَرْغِرِيت وَأَلْقِي عَلَيْهَا تِلْكَ اَلنَّظْرَة اَلَّتِي يُلْقِيهَا اَلْمُحْتَضِر عَلَى أَهْله فِي آخِر
لَحَظَات حَيَاته وَقَالَ لَهَا اَلْوَدَاع يَا مَرْغِرِيت وَمَضَى فَمَا غَابَ شَخْصه عَنْ عَيْنَيْهَا حَتَّى
نَهَضَتْ مِنْ فِرَاشهَا هَائِمَة مختبلة وَانْدَفَعَتْ إِلَى اَلْبَاب تُرِيد اَللَّحَاق بِهِ ثُمَّ تَرَاجَعَتْ
ثُمَّ حَاوَلَتْ ذَلِكَ مَرَّة أُخْرَى فَأَدْرَكَهَا شَدِيدًا وَتَدُور فِي أَنْحَاء اَلْغُرْفَة دَوَرَان
الثاكلة المفجوعة وَهِيَ تَصِيح أَرْجَعُوهُ إِلَيَّ لَا أَسْتَطِيع فِرَاقه سَأَمُوتُ مِنْ بَعْده
وَإِنَّهَا لكذلك إِذَا سَمِعَتْ صَرْخَة عُظْمَى آتِيَة مِنْ نَاحِيَة اَلْحَدِيقَة فَخَرَجَتْ تَعْدُو إِلَى
حَيْثُ سَمِعَتْ اَلصَّوْت حَتَّى بَلَغَتْ بَاب اَلْمَنْزِل فَرَأَتْ أَرْمَان سَاقِطًا تَحْت عَتَبَته مَغْشِيًّا
عَلَيْهِ فَرَفَعَتْ طَرَفهَا إِلَى اَلسَّمَاء وَقَالَتْ لِيَكُنْ مَا أَرَادَ اَللَّه ثُمَّ أَلْقَتْ نَفْسهَا عَلَيْهِ
وَلَثَمَتْ ثَغْره لثمة هِيَ أَوَّل لثمة ذَاقَتْ فِيهَا لَذَّة اَلْعَيْش فِي حَيَاتهَا فَشَعَرَ بِهَا
أَرْمَان فاستفاق وَضَمَّهَا إِلَى صَدْره ضَمَّة لَوْ مَاتَ عَلَى اثرها مَا بَكَى عَلَى شَيْء مِنْ
نَعِيم اَلدُّنْيَا وَهَنَائِهَا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhammali.mam9.com
 
العبرات ( الجزء السادس) لمصطفى المنفلوطي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» العبرات ( الجزء السابع) لمصطفى المنفلوطي
» العبرات ( الجزء الثامن) لمصطفى المنفلوطي
» العبرات ( الجزء الأول) لمصطفى المنفلوطي
» العبرات ( الجزء الثاني) لمصطفى المنفلوطي
» العبرات ( الجزء الثالث) لمصطفى المنفلوطي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم :: قسم الأدب العربي-
انتقل الى: