وسط متطلبات الحياة و حاجياتها الجمة , ووسط ضرورياتها و مشاكلها اخترت بروحي و قلبي و بكل ما أوتيت من قوة بدنية و عقلية .... مهنة التعليم أو تعليم أبناء الشعب كما قال
جول فيري Jules Ferry مند 130 سنة مضت.....
و كم تبدو مفاجئة عند ملاحظة ما آلت إليه اليوم مؤسساتنا التعليمية المغربية إنها بعيدة كل البعد عن الأهداف النبيلة التي من أجلها أسست , نعم , الحياة ليست لها نفس الحماسة أو نفس الوثب الإيجابي و لكن النظام التربوي الحالي لا يمثل الصورة المثلى لمفهوم التربية و لا تصل إلى جزء من مستوى النتائج التي بلغتها كثير من دول العالم و ما يحز في النفس حتى تلك الدول الفقيرة و التي تعاني من ويلات الحروب و الاضطهاد...
كيف يعقل و أن نسبة كبيرة من التلاميذ الذين يلتحقون بالإعدادي لا يعرفون لا القراءة الجيدة و لا الكتابة الجيدة .... و عدد مهول من التلاميذ ينقطعون عن الدراسة سنويا بدون مستوى تعليمي مما يكرس رفع نسبة الأمية بالمغرب.....
و بدولة كالمغرب الذي يدعي دولة الحق و القانون , دولة المساواة بين الجنسين و بين الجميع و إعطاء اهتمام لتكافئ الفرص ..... يلاحظ أن أبناء الذين يمتهنون أعمال حرة أو أطر بإحدى القطاعات أو رجال التعليم , هم الذين لهم حظ أوفر لولوج الجامعات أو المعاهد و المدارس العليا من الأبناء المنحدرين من أوساط شعبية و هشة و أبناء المستخدمين بشركات.
و بالرغم مما يقال و يتداول في أوساط الإعلام حول مستوى بعض التلاميذ النخبة المتفوقون ووصولهم إلى أولمبياد دولية خاصة في مادة الرياضيات , فمعدل هؤلاء التلاميذ النخبة أو مستواهم مقارنة مع تلاميذ مجموعة من الدول يبقى متوسطا ولا يرقى إلى المستوى الاجتماعي المنحدرين منه أو الكلفة الهائلة لتمدرسهم ... و نتائجهم تكون ضعيفة أو دون المتوسط عند وقوفهم أمام روائز ذات معايير دولي ...
من خلال تتبع مجموعة من التلاميذ و بمختلف المؤسسات و الأسلاك التعليمية فالتلاميذ المغاربة في مجملهم مهمومون و يغلب عليهم الطابع الانفعالي داخل حجرة الدرس , ينتابهم الخوف من الفشل , يفتقدون للثقة في النفس , يظنون أن أساتذتهم لا يساعدونهم و لا يهتمون بهم... التلاميذ بالمؤسسات التعليمية المغربية يفضلون عدم الجواب على الأسئلة المطروحة من طرف المدرس خوفا من الوقوع في الخطأ ... و هو من بين الأسباب الرئيسية لعزوفهم عن المشاركة داخل الفصل أضف إلى ذلك أننا لا زلنا نعتبر أن – خارج الموضوع- Hors sujet ذنب لا يغتفر و قد يقابل بالعقاب و التوبيخ و التهكم ....
" عندما نواجه مشاكل الغد باقتراحات و حلول الأمس نجني مأساة اليوم" ميشيل كروزيي Michel Crozier
المجتمع العادل الذي يرمي إلى خلق مدرسة للجميع, مدرسة ديمقراطية , مدرسة تمنح فرص النجاح و التوفيق للجميع , عليه مواكبة و مصاحبة التلاميذ المتمدرسين في أعمالهم الخاصة عوض تركهم منفردين بمشاغلهم و فروضهم.... من الواجب على كل واحد منا أبا كان أو مدرسا بذل جهد إضافي لتتبع مسار تلامذتنا الدراسي من بداية الموسم الدراسي لتحسين تحصيلهم و نتائجهم الدراسية, علينا أن نحسن توجيه أبنائنا , لأن اليوم التوجيه يرتبط , بالإضافة إلى ميول التلميذ , بالعامل الاقتصادي و حاجات المجتمع .
ضعف التوجيه و سوء تدبيره يترتب عنه ضياع و هدر للمال و الجهد و يتسبب في الانقطاع عن الدراسة و التسرب و الهذر المدرسيين ...
يجب إعادة تأسيس ا لمدرسة , لأن الزمن المدرسي يتطلب ذلك , يتطلب إخضاع المدرسة لإصلاحات راهنة تراعي طموحات و رغبات الأمهات و الآباء و كذا حاجات نساء و رجال التعليم , و الذين يرغبون في تغيير جدري ليس فقط للبرامج و المناهج و لكن حتى للعقليات , عقليات أولئك الذين نأتمنهم على تدبير و تسيير شؤون قطاع التعليم من أهم القطاعات – قاطرة التنمية- ثاني الأولويات بعد الوحدة الترابية ...
هذا الإصلاح الذي نصبو إليه قد يأخذ بعض الوقت و لكن أحسن من الاستعجال و هدر 33 مليار درهم , لو استثمرت في تحسين أوضاع نساء و رجال التعليم و في متطلبات المؤسسات التعليمية التي تفتقر لأدنى شروط العمل التربوي .
ملايير الدراهم كان من الأجدر و الأفيد أن توجه لتكوين و إعادة تكوين نساء ورجال التعليم في المجالات المعرفية و المهنية , و تعميم التكنولوجية الحديثة على المؤسسات خاصة الابتدائي كالبرامج الرقمية و الإعلاميات ... إمكانيات ضخمة ترصد للتعليم حاليا بدون نتيجة تذكر و هذا يعيدني للزمن البعيد القريب سواء أيام الدراسة أو بداية المشوار التعليمي كان التعليم يعاني من قلة الإمكانيات بدرجة كبيرة و كلما نوقشت متطلبات و حاجيات التعليم , يكون الجواب " نعم , التعليم في حاجة لإمكانيات ضخمة لتوفير الوسائل الديداكتيكية و التجهيزات وغيرها .... و لكن سياسة أمر الواقع تقتضي العمل بما هو متوفر .... " وكنا نساير ما تفرضه سياسة أمر الواقع و كانت النتائج أحسن من اليوم....
علينا أن نفكر في محتويات بيداغوجية جديدة تلاءم الوسط الاجتماعي لتلامذتنا المغاربة عوض الاتجاه نحو الغرب – الذي يعرف بدوره أزمات خانقة في ميدان التعليم- لاستيراد بيداغوجيا غريبة عن وسطنا المجتمعي و التعليمي و بعيدة كل البعد عن مستوى تلامذتنا ,
كيف نسافر عابرين المحيطات للبحث عن الإصلاح و لنا بوطننا العزيز من الكفاءات من يغنينا عن عناء البحث و بأقل تكلفة إنه ابن البلد , و الأمثلة كثيرة لمربين و مفكرين مغاربة .... لكن عقدة الآخر و التباهي بالغير تجدرت في المغاربة بالرغم من مستواهم أو مكانتهم الاجتماعية أو السياسية ....
علينا أن نعمل على جلب السعادة للمدرسة و ذلك بالابتعاد عن الانجازات الأكاديمية و التقليد الأعمى لما ينجز بالغرب , علينا أن نترك مكانا لعناصر أخرى كالانفتاح الشخصي , تنمية القدرة على الإبداع و الابتكار و دعم الثقة في النفس .. قد يولد هذا الاتجاه تشنجا و عصبية لدا التقليديين .... و لكن أكد علم النفس الحديث أن السعادة مكون و مقوم لمفتاح التعلم الناجح , إذا كنت تقدر و تحب ما تتعلمه يثير فيك الفضول للبحث و الجد و المثابرة .
ادريس مروان
مدير مدرسة سهام 2
نيابة المحمدية/ جهة الدار البيضاء الكبرى
المملكة المغربية