منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم

منتدى تربوي يهتم بالتربية والتعليم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» صـــــــــــــــلة الرحــــــــــــــم
العبرات ( الجزء السابع)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالخميس أغسطس 25, 2022 5:05 pm من طرف مروان ادريس

» أخلاقيات القيادة التربوية و دورها في تدبير المؤسسة التعليمية
العبرات ( الجزء السابع)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 23, 2022 11:06 am من طرف مروان ادريس

» اللعب وأثره على عملية التعلم لدى أطفال مرحلة ما قبل المدرسة
العبرات ( الجزء السابع)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالأحد أكتوبر 29, 2017 8:08 pm من طرف المدير العام

» جودة التعليم وأثرها في تحقيق التنمية المستدامة
العبرات ( الجزء السابع)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالسبت مايو 06, 2017 2:19 am من طرف المدير العام

» محاضرات مادة ثقافة الطفل
العبرات ( الجزء السابع)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالأحد سبتمبر 04, 2016 9:05 pm من طرف المدير العام

» دليل القسم
العبرات ( الجزء السابع)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالأحد يوليو 10, 2016 1:57 pm من طرف المدير العام

» ملخص محاضرات تغذية وصحة الطفل
العبرات ( الجزء السابع)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالجمعة سبتمبر 13, 2013 10:15 pm من طرف المدير العام

» ملخص محاضرات التربية البيئية
العبرات ( الجزء السابع)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالجمعة سبتمبر 13, 2013 10:05 pm من طرف المدير العام

» المواد العامة
العبرات ( الجزء السابع)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالجمعة سبتمبر 13, 2013 9:50 pm من طرف المدير العام

الإبحار

 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء 

مرحبا بكم في منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم ، ونأمل منكم المبادرة بالتسجيل في المنتدى لأن هناك مواضيع وبرامج ومفاجآت لن تعرض إلا للمسجلين بالمنتدى فلا تضيعوا القرصة عليكم . مدير عام المنتدى .
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث

منتدى
التبادل الاعلاني
الإبحار

 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء 

مرحبا بكم في منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم ، ونأمل منكم المبادرة بالتسجيل في المنتدى لأن هناك مواضيع وبرامج ومفاجآت لن تعرض إلا للمسجلين بالمنتدى فلا تضيعوا القرصة عليكم . مدير عام المنتدى .
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث

الإبحار

 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء 

مرحبا بكم في منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم ، ونأمل منكم المبادرة بالتسجيل في المنتدى لأن هناك مواضيع وبرامج ومفاجآت لن تعرض إلا للمسجلين بالمنتدى فلا تضيعوا القرصة عليكم . مدير عام المنتدى .
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث


 

 العبرات ( الجزء السابع) لمصطفى المنفلوطي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
المدير العام


المساهمات : 207
تاريخ التسجيل : 03/05/2008

العبرات ( الجزء السابع)  لمصطفى المنفلوطي Empty
مُساهمةموضوع: العبرات ( الجزء السابع) لمصطفى المنفلوطي   العبرات ( الجزء السابع)  لمصطفى المنفلوطي Icon_minitimeالسبت ديسمبر 11, 2010 9:49 pm

اِنْقَضَى اَلشِّتَاء فَانْقَضَى بِانْقِضَائِهِ شَقَاء مَرْغِرِيت وَعَنَاؤُهَا فَقَدْ أَبْلَتْ مِنْ مَرَضهَا
وَأَصْبَحَتْ سَعِيدَة بِحُبِّهَا فَلَمْ يَبْقَ بَيْن يَدَيْهَا إِلَّا أَنْ تَبْلُغ مِنْ تِلْكَ اَلسَّعَادَة
نِهَايَتهَا فَاقْتَرَحَتْ عَلَى أَرْمَان أَنْ يَتْرُكَا بَارِيس وَضَوْضَاءَهَا وَمُزْدَحِم اَلْحَيَاة فِيهَا
إِلَى مَصِيف يَخْتَارَانِهِ لِنَفْسِهِمَا فِي بَعْض اَلْأَمَاكِن اَلْخَالِيَة فَقَبْل مُقْتَرَحهَا وَسَافَرَا
مَعًا يُفَتِّشَانِ عَنْ اَلْمَكَان اَلَّذِي يُرِيدَانِ حَتَّى بَلَغَا قَرْيَة وَهِيَ ضَاحِيَة مِنْ ضَوَاحِي
بَارِيس عَلَى بُعْد سَاعَتَيْنِ مِنْهَا فَوَجَدَا فِي بَعْض أرباضها مَنْزِلًا صَغِيرًا مُنْفَرِدًا
وَاقِعًا عَلَى رَأْس هَضْبَة عَالِيَة فِي سَفْح جَبَل مُخْضَرّ تَجْرِي مِنْ تَحْته بُحَيْرَة صَافِيَة
بَدِيعَة كَأَنَّمَا بِنَاهٍ بَانِيه لَهُمَا فَاشْتَرَيَاهُ وَنَقَلَتْ مَرْغِرِيت إِلَيْهِ مِنْ مَنْزِلهَا فِي
بَارِيس بَعْض مَا يَحْتَاجَانِ إِلَيْهِ مِنْ أَثَاث وَمَتَاع ثُمَّ عَاشَا فِيهِ بَعْد ذَلِكَ عَيْشًا نَاعِمًا
هَنِيئًا لَا تَضْطَرِب فِي سَمَائِهِ غَيْمَة وَلَا تَمْر بِصَفْحَتِهِ غَبَرَة وَلَا يُكَدِّر عَلَيْهِمَا مُكَدَّر
مِنْ خَوَاطِر اَلشَّقَاء وَوَسَاوِسه فَكَانَا يَقْضِيَانِ نَهَارهمَا صَاعِدِينَ إِلَى قِمَّة اَلْجَبَل أَوْ
مُنْحَدَرَيْنِ إِلَى سَفْحه أَوْ رَاكِبِينَ زَوْرَقًا صَغِيرًا يَسْبَح بِهِمَا عَلَى صَفْحَة اَلْبُحَيْرَة
جِيئَة وذهوبا أَوْ جَالِسِينَ تَحْت شَجَرَة فرعاء تُظَلِّلهَا مِنْ لَفَحَات الهجير وَتَضُمّهُمَا
إِلَيْهَا كَمَا تَضُمّ ثِمَارهَا أَوْ مُضْطَجَعَيْنِ عَلَى بِسَاط مِنْ اَلْعُشْب اَلْمُمْتَدّ فِي تَلُمّك
اَلْبَطْحَاء اَلْفَسِيحَة يَتَنَاجَيَانِ وَيَلْهُوَانِ بِمَنْظَر اَلْجَمَال اَلْمَائِل فِي اَلشَّاطِئ
وَالْأَمْوَاج وَالْأَخَادِيد وَالْوُدْيَان وَالْغَابَات وَالْحُجُرَات وَالْكُهُوف وَالْأَغْوَار وَالْغُيُوم
وَالسُّحُب وَالْأَضْوَاء فِي تَشَكُّلهَا وَتَلَوُّنهَا وَالظِّلَال فِي نُحُولهَا وَانْتِقَالهَا وَفِي رُءُوس
اَلْجِبَال اَللَّاصِقَة بِجِلْدَة اَلسَّمَاء كَأَنَّهَا بَعْض سَحْبهَا وَفِي قِطَع اَلصُّخُور اَلْمُبَعْثَرَة
عَلَى جَوَانِب الغدران كَأَنَّهَا بَعْض أَمْوَاجهَا وَفِي تِلْكَ اَلْمَعْرَكَة اَلَّتِي تَدُور فِي كُلّ
يَوْم مَرَّتَيْنِ بَيْن ج - يَشِي اَلْأَنْوَار وَالظُّلُمَات فَيَنْتَصِر فِي صَدْر اَلنَّهَار فِي كُلّ يَوْم
مَرَّتَيْنِ بَيْن جَيْشَيْ اَلْأَنْوَار وَالظُّلُمَات فَيَنْتَصِر فِي صَدْر اَلنَّهَار أَوَّلهمَا ثُمَّ يدال فِي
آخِره لِثَانِيهمَا حَتَّى إِذَا جَاءَ اَللَّيْل عَادَا إِلَى مَنْزِلهمَا فَنَعِمَتَا فِيهِ بِأَلْوَان
اَلنَّعِيم وَضُرُوبه وَرَشَفَا مِنْ كُلّ ثَغْر مِنْ ثُغُور اَلسَّعَادَة رَشْفَة تَسْرِي حَلَاوَتهَا فِي
قَلْبهمَا حَتَّى تُصِيب صَمِيمه مُرْ بِهِمَا عَلَّ ذَلِكَ عَام كَامِل هُوَ كُلّ مَا اِسْتَطَاعَا أَنْ
يَخْتَلِسَاهُ مِنْ يَد اَلدَّهْر فِي غَفْلَته ثُمَّ اِنْتَبَهَ لَهُمَا بَعْد ذَلِكَ وَوَيْل لِلسُّعَدَاءِ مِنْ
اِنْتِبَاهه بَعْد إغفائه فَقَدْ نَضَبَ أَوْ أَوْشَكَ أَنْ يَنْصَبّ مَا كَانَ فِي يَد أَرْمَان مِنْ اَلْمَال
وَكَانَ فِي يَده اَلْكَثِير مِنْهُ فَكُتُب إِلَى أَبِيهِ يَطْلُب إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَث إِلَيْهِ بِمَا يَسْتَعِين
عَلَى اَلْبَقَاء فِي بَارِيس مُدَّة أُخْرَى زَاعِمًا أَنَّهُ لَا يَزَال مَرِيضًا مُتَأَلِّمًا لَا
يَسْتَطِيع اَلسَّفَر وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَل مِنْ حِين إِلَى حِين فَلَمْ يَأْتِهِ اَلرَّدّ فَأُقْلِقهُ ذَلِكَ
قَلَقًا شَدِيدًا وَظَلَّ يَخْتَلِف إِلَى اَلْمَدِينَة فِي كُلّ يَوْم يَسْأَل فِي فُنْدُق تورين اَلَّذِي
كَانَ يَنْزِل بِهِ قَبْل اِتِّصَاله بِمَرْغِرِيت عَنْ اَلْكِتَاب اَلَّذِي يَنْتَظِرهُ فَلَا يَجِدهُ فَيَعُود
حرينا مُنْقَبِضًا حَتَّى إِذَا وَصَّلَ إِلَى بوجيفال وَرَأَى مَرْغِرِيت بَيْن يَدَيْهِ تُطْلِق وَتَبَسَّمَ
كَأَنَّهُ لَا يُضْمِر فِي نَفْسه هُمَا قَاتِلًا وَلَكِنْ عَيْن مَرْغِرِيت أَقْدَر مِنْ أَنْ يُعْجِزهَا
اَلنَّفَاذ إِلَى أَعْمَاق قَلْبه فَانْتَهَكَتْ سِرّه فَكَاشَفَتْهُ بِهِ وَقَالَتْ لَا يُحْزِنك شَأْن اَلْمَال
يَا أَرْمَان فَإِنَّ عِنْدِي مِنْهُ مَا يَكْفِينَا اَلْعَيْش مَعًا سِنِينَ طِوَالًا وَلَمْ تَكُنْ صَادِقَة
فِيمَا تَقُول لِأَنَّ اَلدُّوق قَاطَعَهَا وَمَنَعَ عَنْهَا رفده مُنْذُ عُرْف قِصَّتهَا فِيمَا تَقُول لِأَنَّ
اَلدُّوق قَاطَعَهَا وَمَنَعَ عَنْهَا رفده مُنْذُ وَعِلْم أَنَّهَا خَانَتْهُ وَخَانَتْ بَعْده بَلْ كَانَتْ
مَدَنِيَّة بِمَال كَثِير لِبَعْض تُجَّار اَلْجَوَاهِر وَالثِّيَاب بَلْ أَصْبَحَ دَائِنُوهَا يَتَقَاضَوْنَهَا
دُيُونهمْ بَعْد مَا عَلِمُوا أَنَّ اَلدُّوق قَاطَعَهَا وَنَفَضَ يَده مِنْهَا وَلَكِنَّهَا خَاطَرَتْ بِكَلِمَتِهَا
مُخَاطَرَة لَمْ تُفَكِّر فِي عَاقِبَتهَا فَأَكْبَر أَرْمَان ذَلِكَ وَأَعْظَمه وَأَنْف مِنْهُ أَنَفَة شَدِيدَة
وَأَبِي أَنْ يَعِيش مَعَهَا بِمَال غَيْر مَاله وَعَزَمَ أَنْ يُسَافِر إِلَى نيس لِيَأْتِيَ مِنْهَا
بِالْمَالِ اَلَّذِي يُرِيدهُ فَأَزْعَجَهَا عَزْمه هَذَا إِزْعَاجًا شَدِيدًا وَخَافِت عَاقِبَته فَجَثَتْ بَيْن
يَدَيْهِ تَسْتَعْطِفهُ وَتَسْتَرْحِمهُ وَتَبْذُل فِي ضَرَاعَتهَا وَرَجَائِهَا فِي سَبِيل بَقَائِهِ أَكْثَر مِمَّا
بَذَلَتْ قَبْل اَلْيَوْم فِي سَبِيل رَحِيله حَتَّى أَذْعَنَ واستقاد وَرَضِيَ بِاَلَّتِي لَمْ يَكُنْ يَرْضَى
بِمِثْلِهَا لَوْلَا لَهْفَة اَلْحُبّ وَضَرَاعَة اَلدُّمُوع وَقَدْ أَضْمَرَ فِي نَفْسه أَنْ يَتَنَازَل لَهَا عَنْ
نَصِيبه فِي اَلْمِيرَاث اَلَّذِي وَرِثَهُ مِنْ أُمّه مُكَافَأَة لَهَا وَوَفَاء بِحَقِّهَا فَلَمْ يَكُنْ
لِمَرْغِرِيت بَعْد ذَلِكَ بُدّ مِنْ أَنْ تَمُدّ يَدهَا إِلَى جَوَاهِرهَا وَذَخَائِرهَا فَأَنْشَأَتْ تَبِيع
اَلْقِطْعَة بَعْد اَلْقِطْعَة لِتَسُدّ بَعْض دَيْنهَا وَتَقُوم بِنَفَقَة بَيْتهَا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَم
أَرْمَان وَاسْتِمْرَار عَلَى ذَلِكَ بِضْعَة أَشْهُر حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِمَا فِي يَوْم مِنْ اَلْأَيَّام فِي
سَاعَات أُنْسهمَا وَصَفَائِهِمَا خَادِم فُنْدُق تورين اَلَّذِي كَانَ يَنْزِل بِهِ أَرْكَان فِي بَارِيس
وَقَالَ لَهُ إِنَّ وَالِده قَدْ وَصَّلَ اَلسَّاعَة إِلَى اَلْفُنْدُق وَإِنَّهُ يَنْتَظِرهُ هُنَاكَ قَالَ دوفال
لِوَلَدِهِ لَقَدْ كَذَبَتْ عَلَيَّ كَثِيرًا يَا أَرْمَان وكا كُنْت قَبْل اَلْيَوْم كَذَّابًا وَلَا خَادِعًا
وَرَضِيَتْ لِنَفْسِك بِحَيَاة كُنْت أَضَنّ اَلنَّاس بِنَفْسِك عَلَى مِثْلهَا مِنْ قَبْل وَمَزَّقَتْ بِيَدِك ذَلِكَ
اَلْقِنَاع اَلْجَمِيل مِنْ اَلْحَيَاء اَلَّذِي لَا يَزَال مُسْبِلًا عَلَى وَجْهك وَأَصْبَحَتْ تَبْذُل فِي
اَلْعَيْش مَعَ اِمْرَأَة عَاهِرَة كُلّ مَا لَهَا مِنْ اَلشَّأْن عِنْد نَفْسهَا .
وَعِنْد اَلنَّاس جَمِيعًا أَنَّهَا نُفَايَة اَلرِّجَال وَفَضْلَة مِنْ فَضَلَات اَلْفُسَّاق وَفُتَات
اَلْمَائِدَة اَلْعَامَّة اَلَّتِي يَجْلِس عَلَيْهَا اَلنَّاس جَمِيعًا صَبَاحهمْ وَمَسَاءَهُمْ فَحَسِبَك هَذَا
وَقُمْ اَلسَّاعَة لِتُعِدّ نَفْسك لِلسَّفَرِ مَعِي إِلَى نيس فَلَسْت بتاركك بَعْد اَلْيَوْم فِي هَذَا
اَلْبَلَد سَاعَة وَاحِدَة .
فَرَفَعَ أَرْمَان رَأَسَهُ إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ لَهُ بِصَوْت هَادِئ مُطَمْئِن .
فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبَوْهُ نَظْرَة شزراء وَقَالَ لَهُ وَتِلْكَ سَيِّئَة أُخْرَى فَقَدْ أَصْبَحَتْ لَا تَعْبَأ بِي
وَلَا تُبَالِي بِمُخَالَفَة أَمْرِي مِنْ أَجْل اِمْرَأَة سَاقِطَة لَا شَأْن لَهَا مَعَك إِلَّا أَنْ تَعْبَث
بِعَقْلِك وَتَسْلُبك مَالِك وَشَرَفك وتفسيد عَلَيْك حَاضِرك وَمُسْتَقْبَلك .
قَالَ لَا يَا أَبَتَاهُ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِعَابِثَة وَلَا خَادِعَة وَلَكِنَّهَا تُحِبّنِي حُبًّا لَمْ يُحِبّهُ
أَحَد مِنْ قَبْلهَا أَحَدًا وَأَحْسَب أَنِّي أَنْ فَارَقْتهَا قَتَلَتهَا وَجَنَيْت عَلَيْهَا جِنَايَة لَا
يُفَارِقنِي اَلنَّدَم عَلَيْهَا حَتَّى اَلْمَوْت .
قَالَ ذَلِكَ مَا يَخْدَع بِهِ أَمْثَالهَا أَمْثَالك فَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ اَلْعَاهِرَات قُلُوب يُحْبِبْنَ بِهَا
بَلْ لَهُنَّ أَلْسُن يَخْتَلْنَ بِهَا اَلرِّجَال ويسلبنها حَجْبًا بَيْن بَعْضهمْ وَبَعْض حَتَّى يَظُنّ كُلّ
وَاحِد مِنْهُمْ أَنَّهُ اَلْأَثِير عِنْدهَا وَصَاحِب اَلْحُظْوَة لَدَيْهَا مِنْ دُون أَصْحَابه جَمِيعًا .
قَالَ رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ شَأْنهَا قَبْل اَلْيَوْم أَمَّا اَلْيَوْم فَهِيَ لَا تُحِبّ أَحَدًا غَيْرِي بَلْ لَا
تَعْرِف أَحَدًا سِوَايَ فَهِيَ تَعِيش عِيشَة تُشْبِه عِيشَة النشاء اَلشَّرِيفَات بَلْ اشرف مِنْ عِيشَة
اَلْكَثِيرَات مِنْهُنَّ لِأَنَّ اَلْخَلِيلَة اَلَّتِي تُخَلِّص لِخَلِيلِهَا أَشْرَف مِنْ اَلزَّوْجَة اَلَّتِي تَخُون
زَوْجهَا وَأَخْشَى إِنْ فَارَقَتْهَا أَنْ تَثُور فِي نَفْسهَا ثَوْرَة مِنْ ثَوْرَات اَلْيَأْس فَتَرُدّهَا إِلَى
تِلْكَ اَلْحَيَاة اَلْأُولَى حَيَاة اَلشَّرّ وَالْفَسَاد وَالشَّقَاء .
وَالْعَذَاب بَعْد مَا استنقذت نَفْسهَا .
قَالَ وَهَلْ تَرَى أَنَّ وَظِيفَة اَلرَّجُل اَلشَّرِيف فِي هَذِهِ اَلْحَيَاة إِصْلَاح اَلنِّسَاء اَلْفَاسِدَات
?
قَالَ ذَلِكَ خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ تَكُون وَظِيفَته إِفْسَادهنَّ فَإِنَّ اَلْأَشْرَاف فِي هَذَا اَلْعَصْر
يَفْخَرُونَ بِإِفْسَاد اَلنِّسَاء اَلصَّالِحَات وَاسْتِدْرَاجهنَّ إِلَى مُوَاطِن اَلْفِسْق وَالْفُجُور
وَإِصْلَاح اَلْمَرْأَة اَلْفَاسِدَة أَدْنَى إِلَى اَلشَّرَف مِنْ إِفْسَاد اَلْمَرْأَة اَلصَّالِحَة .
قَالَ لَقَدْ أَصْبَحَتْ كَثِير اَلرَّحْمَة يَا أَرْمَان .
قَالَ لِمَ لَا أَرْحَم فَتَاة مَرِيضَة مِسْكِينَة لَيْسَ لَهَا فِي اَلنَّاس مَنْ يَعُولهَا مِنْ ذِي
قُرَابَة أَوْ ذِي رَحِم وَقَدْ نَزَلَ دَاؤُهَا مِنْ صَدْرهَا مَنْزِلَة لَا يَبْرَحهَا وَلَا يَتَحَلَّل عَنْهَا
إِلَّا أَنْ يَهْدَأ عَنْهَا حِينًا وَيَسْتَيْقِظ أَحْيَانًا فَهِيَ تُكَابِد اَلْأَلَم مَرَّة وَالْخَوْف مِنْ
اَلْأَلَم أُخْرَى وَلَا عَزَاء لَهَا فِي حَالَتَيْهَا إِلَّا هَذِهِ اَلسَّعَادَة اَلَّتِي تَتَوَهَّمهَا فِي
اَلْحُبّ وَتَرَى أَنَّهَا نَاعِمَة بِهَا فَإِنْ فَقَدَتْهَا فَقَدَتْ كُلّ شَيْء فِي اَلْحَيَاة وَعَظْم حُزْنهَا
وَبُؤْسهَا وَثَقُلَتْ وَطْأَة اَلدَّاء عَلَيْهَا حَتَّى كَادَتْ تَأْتِي عَلَى اَلْبَقِيَّة اَلْبَاقِيَة مِنْ
حَيَاتهَا فَدَعْنِي مَعَهَا يَا أَبَتَاهُ عَامًا آخَر أَوْ عَامَيْنِ أَهْوَن عَلَيْهَا فِيهِمَا شَقَاءَهَا
فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ آخَر مَا قَدَّرَ لَهَا أَنْ تَقْضِيه مِنْ ‎ أَيَّامهَا فِي هَذَا اَلْعَالَم ثُمَّ أَعُود
بَعْد ذَلِكَ إِلَيْك هَادِئ اَلْقَلْب سَاكِن اَلضَّمِير رَاضِيًا عَنْ نَفْسِي وَعَنْ عَمَلِي أُبْكِيهَا
بِدُمُوع اَلْحُزْن لَا بِدُمُوع اَلنَّدَم وَيُهَوِّن وَجَدِّي عَلَيْهَا كُلَّمَا ذَكَّرَتْهَا أَنَّنِي لَمْ أَخُنْهَا
وَلَمْ أَغْدِر بِعَهْدِهَا .
فَاطْرُقْ دوفال هُنَيْهَة كَأَنَّمَا يُعَالِج فِي نَفْسه هُمَا معتلجا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه وَنَظَرَ إِلَى
وَلَده نَظْرَة تُشْبِه نَظْرَة اَلْعَطْف وَالرَّحْمَة وَقَالَ .
لَهُ لَا أَسْتَطِيع أَنْ أُسَافِر بِدُونِك يَا بَنِي فَحَسْبِي مَا كَابَدَتْ مِنْ اَلْأَلَم لِفِرَاقِك قَبْل
اَلْيَوْم وَقَدْ تَرَكَتْ أُخْتك وَرَائِي تَنْدُبك وَتَبْكِي عَلَيْك صَبَاحهَا وَمَسَاءَهَا وَتَحِنّ إِلَى
لِقَائِك حَنِين اَلظَّامِئ إِلَى اَلْوُرُود وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيع مَا تَعْتَذِر بِهِ عَنْ نَفْسك فِي هَذَا
اَلشَّأْن لَا يُغْنِي عَنْك وَلَا عَنِّي شَيْئًا يَوْم يَقُول اَلنَّاس كَلِمَتهمْ اَلَّتِي لَا بُدّ أَنْ
يَقُولهَا غَدًا تاليراند يَعِيش كَثِير مِنْهُمْ قَبْل اَلْيَوْم إِنَّ أَرْمَان دوفال سُلَالَة آل
تاليراند يَعِيش مَعَ اِمْرَأَة مُومِس فِي بَيْت وَاحِد فَعَدّ إِلَى نَفْسك يَا بَنِي وَاسْتَلْهَمَ
اَللَّه اَلرُّشْد يُلْهِمك وَلَا تَجْعَل لِهَوَاك سَبِيلًا عَلَى عَقْلك وَدَّعَ هَذِهِ اَلْحَيَاة اَلسَّاقِطَة
اَلَّتِي يحياها مَنْ لَيْسَتْ لَهُ هِمَّة مِثْل هِمَّتك وَلَا مُجْدٍ وَلَا بَيْت مِثْل مَجْدك وَبَيْتك
وَإِنِّي تاركك اَلْآن وَحْدك وَذَاهِب عَنْك لِبَعْض شَأْنِي لِتَخْلُوَ بِنَفْسِك سَاعَة تَسْتَرِدّ فِيهَا
مَا عَرَّبَ عَنْك مِنْ صَوَابك ثُمَّ أُعَوِّد إِلَيْك بَعْد قَلِيل لِأَسْمَع مِنْك اَلْكَلِمَة اَلَّتِي أَرْجُو
أَنْ تَكُون شِفَاء نَفْسِي ورواء غَلَّتِي .
ثُمَّ تَرَكَهُ وَنَزَلَ فَمَشَى إِلَى قَهْوَة قَرِيبَة مِنْ اَلْفُنْدُق فَكَتَبَ فِيهَا لِبَعْض اَلنَّاس كِتَابًا
خَاصًّا ثُمَّ طَافَ بِبَعْض أَصْدِقَائِهِ اَلَّذِينَ يَعْرِفهُمْ فِي بَارِيس فَزَارَهُمْ زِيَارَة طَوِيلَة فَلَمْ
يَعُدْ إِلَى اَلْفُنْدُق حَتَّى أَظَلّ اَللَّيْل فَرَأَى أَرْمَان لَا يَزَال فِي مَكَانه فَسَأَلَهُ مَاذَا
رَأَى فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَّا بِدُمُوعِهِ تَنْحَدِر عَلَى خَدَّيْهِ تحدر اَلْقُطْر عَلَى أَوْرَاق اَلزَّهْر وَجَثَا
بَيْن يَدَيْهِ يَسْتَعْطِفهُ وَيَسْتَرْحِمهُ وَيَكْشِف لَهُ مِنْ خبيئة نَفْسه مَا كَانَ يَكْتُمهُ مِنْ قَبْل
يَقُول وَاَللَّه يَا أَبَت لَوْ عَلِمَتْ أَنِّي أَسْتَطِيع اَلْحَيَاة بِدُونِهَا لفارقتها بِرًّا بِك
وَإِيثَارًا لِطَاعَتِك وَلَكِنِّي أَعْلَم أَنِّي إِنْ فَعَلْت فَقَدْ وَضَعَتْ أَمْرِي فِي مَوْضِع الغرر
وَخَاطَرَتْ بِعَقْلِيّ أَوْ بِحَيَاتِي مُخَاطَرَة لَا أَعْلَم مَاذَا يَكُون خظي فِيهَا وَلَا ‎ أَحْسَبهُ إِلَّا
أَسْوَأ الحظين وَأَنْحَس اَلنَّجْمَيْنِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ قَبْلِي اِسْتَطَاعَ أَنْ يَدْفَع هَوَاهُ عَنْ
قَلْبه أَوْ يَمْحُو مَا قُدِّرَ لَهُ فِي صَحِيفَة قَضَائِهِ مِنْ شَقَاء اَلْحُبّ وَبَلَائِهِ لَسَلَكَتْ سَبِيله
اَلَّتِي سَلَكَهَا وَلَكِنَّهُ بَلَاء بَلِيَتْ بِهِ اَلْحِين أُرِيد لِي فَلَا رَأْي لِي فِي رَدّه وَلَا حِيلَة
لِي فِي اِتِّقَائِهِ وَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْفَتَاة مِنْ نَفْسَيْ مَنْزِلَة هِيَ اَلْحَيَاة مِنْ اَلْجِسْم
وَالْغَيْث مِنْ اَلتُّرْبَة اَلْقَاحِلَة فَإِنْ كُنْت لَابُدَّ آخِذِي فَخُذْ مَعَك جِسْمًا هَامِدًا لَا حَرَاك
بِهِ وَنَبْتَة ذاوية لَا حَيَاة فِيهَا فَوَضَعَ أَبُوهُ يَده عَلَى عَاتِقه وَقَالَ لَهُ اَلْآن يَا
بَنِي وَاذْهَبْ لِشَأْنِك وَعْد إِلَى صَبَاح اَلْغَد لِأُتَمِّم حَدِيثِي مَعَك وَأَرْجُو أَنْ تَكُون فِي غَدك
خَيْرًا مِنْك فِي أَمْسك فَخَرَجَ مَحْزُونًا مُكْتَئِبًا يَمْشِي مِشْيَة الذاهل اَلْمَشْدُوه لَا يُرَى
مَا أَمَامه وَلَا يشغر بِمَا حَوْله حَتَّى رَأَى عَرَبَة فَرَكِبَهَا إِلَى بوجيفال حَتَّى بَلَغَهَا
بَعْد هَدْأَة مِنْ اَللَّيْل فَلَمْ يَرَ مَرْغِرِيت فِي شُرْفَة اَلْبَيْت تَنْتَظِرهُ كَعَادَتِهَا فَدَخَلَ
عَلَيْهَا غُرْفَتهَا فَرَآهَا مكبة عَلَى مِنْضَدَة بَيْن يَدَيْهَا كَأَنَّمَا هِيَ نَائِمَة أَوْ ‎ ذاهلة
فَشَعَرَتْ بِهِ عِنْد دُخُوله فَنَهَضَتْ مَذْعُورَة مُتَلَهِّفَة فَخُيِّلَ إِلَيْهِ عِنْد نُهُوضهَا أَنَّهُ لَمَحَ فِي
يَدهَا رِسَالَة تَضُمّ عَلَيْهَا أَصَابِعهَا فَظَنَّهَا بَعْض تِلْكَ اَلرَّسَائِل اَلَّتِي كَانَ يُرْسِلهَا
إِلَيْهَا المركيز جَانّ فِيلِيب مِنْ حِين إِلَى حِين وَهُوَ فَتَى مِنْ أَبْنَاء اَلْأَشْرَاف
اَلْأَثْرِيَاء كَانَ يُحِبّهَا فِي عَهْدهَا اَلْأَوَّل حُبًّا شَدِيدًا وَيُنْفِق عَلَيْهَا أَمْوَالًا طَائِلَة
فَلَمَّا اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ لَمْ يَنْقَطِع مِنْهَا أَمَله فَظَلَّ يُرْسِل إِلَيْهَا رَسَائِل كَثِيرَة يَعْرِض
فِيهَا حُبّه وَمَاله وَيُمَنِّيهَا اَلْأَمَانِي اَلْحِسَان فِي عَوْدَتهَا إِلَيْهِ وَاتِّصَال حَيَاتهَا
بِحَيَاتِهِ فَكَانَتْ تُمَزِّقهَا عِنْد اِطِّلَاعهَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى عُنْوَانهَا فَلَمْ يَحْفُل أَرْمَان
بِذَلِكَ وَمَشَى إِلَيْهَا فَقَبِلَهَا فَقَالَتْ لَهُ مَاذَا جَرَى يَا أَرْمَان قَالَ أَرَادَنِي أَبِي عَلَى
اَلسَّفَر مَعَهُ فَأَبَيْت وَبَكَيْت بَيْن يَدَيْهِ كَثِيرًا فَلَمْ أَنَلْ مِنْهُ مَنَالًا وَقَدْ أَمَرَنِي
بِالْعَوْدَةِ إِلَيْهِ غَدًا وَلَا أُرِيد أَنْ أَفْعَل لِأَنِّي لَا أُحِبّ حَظِّي مِنْهُ فِي اَلْغَد خَيْرًا
مِنْهُ اَلْيَوْم وَقَدْ أَصْبَحَتْ نَفْسِي تُحَدِّثنِي بِعِصْيَانِهِ وَالْبَقَاء هُنَا عَلَى اَلرَّغْم مِنْهُ لِأَنِّي
أَعْلَم أَنِّي قَدْ تَجَاوَزْت اَلسِّنّ اَلَّتِي تَحْتَاج فِيهَا اَلْأَبْنَاء إِلَى إِرْشَاد اَلْآبَاء وَلِأَنِّي
لَا أَعْرِف أَحَدًا بَيْن اَلنَّاس يَسْتَطِيع أَنْ يَرْسُم لِي خُطَّة سَعَادَتِي كَمَا اُرْسُمْهَا لِنَفْسِي
ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُصّ عَلَيْهَا قِصَّته مَعَ أَبِيهِ حَتَّى أَتَمَّهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ مِطْرَقَة
صَامِتَة وَإِذَا وَجَّهَهَا أَصْفَر مربد كَأَنَّمَا قَدْ نَفَضَ اَلْمَوْت عَلَيْهِ غُبَاره فَقَالَ مَا بَالك
يَا مَرْغِرِيت .
قَالَتْ أَشْعَر بِأَلَم شَدِيد فِي رَأْسِي وَأُرِيد اَلذَّهَاب إِلَى مَخْدَعِي فَأَخْذ بِيَدِهَا إِلَيْهِ
وجدعها بِضْع قَطَرَات مِنْ اَلدَّوَاء فاستفاقت قَلِيلًا ثُمَّ نَامَتْ فَغَيّ مَخْدَعهَا نَوْمًا
مُشَرَّدًا مَذْعُورًا .
لَمْ يَزَلْ أَرْمَان سَائِرًا فِي سَبِيله حَتَّى وَصَلَ إِلَى بَارِيس فَذَهَبَ إِلَى فُنْدُق تورين فَلَمْ
يُجْدِ أَبَاهُ هُنَاكَ وَوَجَدَ رِسَالَة تَرْكهَا لَهُ قَبْل ذَهَابه يَأْمُرهُ فِيهَا أَنْ يَنْتَظِرهُ حَتَّى
يَعُود فَلَبِثَ يَنْتَظِرهُ حَتَّى يَعُود فَلَبِثَ طَوِيلًا حَتَّى عَادَ بَعْد مُنْتَصَف اَلنَّهَار وَقَدْ رَقَّتْ
قَلِيلًا تِلْكَ اَلْغَمَامَة اَلسَّوْدَاء اَلَّتِي كَانَتْ تُلْبِس وَجْهه بِالْأَمْسِ فَتُقَدِّم نَحْوه أَرْمَان
فَحَيَّاهُ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ فَكَّرْت لَيْلَة أَمْس فِي أَمْرك كَثِيرًا يَا بَنِي فَرَأَيْت أَنِّي قَدْ قَسَوْت
عَلَيْك وَغَلَوْت فِي أَمْرك غُلُوًّا كَبِيرًا وَنَظَرْت إِلَى مَسْأَلَتك بِعَيْن أَقْصَر مِنْ اَلَّتِي كَانَ
يَجِب عَلَيَّ أَنْ أَنْظُر إِلَيْهَا فَإِنَّ لِلشَّبَابِ شَأْنًا غَيْر شَأْن اَلْكُهُولَة وَالشَّيْخُوخَة وَحَالًا
خَاصَّة بِهِ لَا يُخْرِج عَنْ حُكْمهَا شَرِيف وَلَا وَضِيع وَلَا يَخْتَلِف فِيهَا سُوقَة عَنْ مَلِك أَنْ
تُبْقِي يَا بَنِي كَمَا تَشَاء وَأَنْ تُعَاشِر اَلْفَتَاة اَلَّتِي تُحِبّهَا كَمَا تُرِيد عَلَى أَنْ تَعِدنِي
بِالْعَوْدَةِ إِلَى فِي اَلْيَوْم اَلَّذِي تَنْقَطِع فِيهِ اَلصِّلَة بَيْنك وَبَيْنهَا اِنْقِطَاع حَيَاة أَوْ
مَوْت فَإِنِّي إِنْ مَنَّيْت عَلَيْك شَرّهَا فَلَا آمَن عَلَيْك شَرّ غَيْرهَا مِنْ اَلنِّسَاء فاستطير
أَرْمَان فَرَحًا وَسُرُورًا وَأَهْوَى عَلَى يَد أَبِيهِ يُقَلِّبهَا وَيُبَلِّلهَا بِدُمُوعِهِ وَيَقُول أَعُدّك
بِذَلِكَ يَا أَبَتَاهُ وَعَدَا لَا أُخَالِفهُ وَلَا أخيس بِهِ وَلَك حُكْمك مَا تَشَاء إِنْ رَأَيْتنِي
بَعْد اَلْيَوْم كَاذِبًا أَوْ خَائِنًا .
ثُمَّ نَهَضَ يُرِيد اَلذَّهَاب فَقَالَ لَهُ أَيْنَ تُرِيد قَالَ أُرِيد اَلذَّهَاب إِلَى مَرْغِرِيت لِأُبَشِّرهَا
بِهَذَا اَلنَّبَأ وَأَمْسَح عَنْ فُؤَادهَا مَا أُلِمّ بِهِ مِنْ اَلرَّوْع مُنْذُ اَلْأَمْس فَانْتَفَضَ أَبُوهُ
اِنْتِفَاضَة خَفِيفَة لَمْ يَشْعُر بِهَا أَرْمَان ثُمَّ ادار وَجْهه لِيُغَالِب دَمْعَة كَانَتْ تَتَرَقْرَق
فِي عَيْنَيْهِ ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَيْهِ وَقَالَ ابقي مَعِي اَلْيَوْم يَا بَنِي فَرُبَّمَا سَافَرَتْ غَدَقًا وَلَا
أَعْلَم بَعْد ذَلِكَ مَتَى أَرَاك فَبَقِيَ مَعَهُ اَلْيَوْم كُلّه حَتَّى جَاءَ اَللَّيْل فَاسْتَأْذَنَهُ فِي
اَلذَّهَاب عَنْ عَيْنَيْهِ فَانْحَدَرَتْ مِنْ جَفْنه تِلْكَ اَلدَّمْعَة نَظَره حَتَّى غَابَ عَنْ عَيْنَيْهِ
فَانْحَدَرَتْ مِنْ جَفْنه تِلْكَ اَلدَّمْعَة اَلَّتِي كَانَ يَحْبِسهَا مِنْ قَبْل وَقَالَ وارحمتاه لَك
أَيُّهَا اَلْوَالِد اَلْمِسْكِين !
حَمَلَ أَرْمَان بَيْن جَنْبَيْهِ آمَاله وَآمَال مَرْغِرِيت وَسَعَادَتهمَا اَلَّتِي يَرْجُوَانِهَا فِي
مُسْتَقْبَل حَيَاتهمَا وَطَارَ بِهَا إِلَيْهَا لِيُقَاسِمهَا إِيَّاهَا حَتَّى دَنَا مِنْ بوجيفال فَأَدْهَشَهُ
أَنْ أَرَى اَلْبَيْت مُظْلِمًا سَاكِنًا لَا يَضْطَرِب فِيهِ شُعَاع وَلَا يَتَرَاءَى فِيهِ ظَلَّ فَمَشَى إِلَى
اَلْبَاب فَرَآهُ مُرْتَجًّا فَوَضْع أُذُنه عَلَى خصاص فَلَمْ يَسْمَع حَرَكَة فَأَخَذَ يَقْرَعهُ قَرْعًا
شَدِيدًا وَيَهْتِف بِاسْم مَرْغِرِيت مَرَّة وَاسْم برودنس أُخْرَى فَلَمْ يَجُبّهُ أَحَد فَقَالَ فِي نَفْسه
لَعَلَّهَا ذَهَبَتْ إِلَى بَيْتهَا فِي بَارِيس لِبَعْض شَأْنهَا واستصحبت خَادِمَتهَا وَلَا بُدّ أَنْ
تَعُود اَلْآن فَجَلَسَ عَلَى صَخْرَة أَمَام بَاب اَلْمَنْزِل يَنْتَظِرهَا حَتَّى مَضَتْ هَدْأَة مِنْ اَللَّيْل
فَلَمْ تَعُدْ فَحَدَّثَتْهُ نَفْسه بِالْعَوْدَةِ إِلَى بَارِيس لِلْبَحْثِ عَنْهَا فِي مَكَان وُجُودهَا ثُمَّ
مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ خَوْفه أَنْ يَسْلُك فِي ذَهَابه طَرِيقًا غَيْر اَلطَّرِيق اَلَّتِي تَسْلُكهَا فِي
عَوْدَتهَا فَاسْتَمَرَّ فِي مَكَانه يَقْعُد مَرَّة وَيَقُوم أُخْرَى وَيَقِف حِينًا وَيَتَمَشَّى أَحْيَانًا
وَيُحَدِّث نَفْسه بِكُلّ حَدِيث يَمُرّ بِخَاطِر اَلْقَلَق اَلْمُرْتَاع إِلَّا حَدِيث خِيَانَتهَا وَغَدْرهَا
وَلَمْ يَزَلْ فِي حَيْرَته وَاضْطِرَابه حَتَّى رَأَى جَذْوَة اَلْفَجْر تَدِبّ فِي فَحْمَة اَلظَّلَام فَسَاءَ
ظَنّه وَانْتَشَرَتْ عَلَيْهِ وَسَاوِسه وَأَوْهَامه وَقَالَ فِي نَفْسه مَا لِمَرْغِرِيت بُدّ مِنْ شَأْن وَلَا
بُدّ لِي مِنْ اَلْمَصِير إِلَيْهَا وَالنَّظَر فِي اَلشَّأْن اَلَّذِي شَغَلَهَا وَكَانَ اَلْقَلَق وَالسَّهَر قَدْ
أَخَذَا مَأْخَذهمَا مِنْ جِسْمه وَنَفْسه مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُر فَمَشَى فِي طَرِيقه إِلَى بَارِيس
يَتَرَنَّح اَلشَّارِب اَلثَّمِل حَتَّى وَصَلَ إِلَى مَنْزِل مَرْغِرِيت وَقَدْ عَلَا صَدْر اَلنَّهَار فَرَأَى
حَارِس اَلْمَنْزِل قَدْ اِسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمه وَوَقَفَ بِفَأْسِهِ عَلَى شَجَرَة مِنْ أَشْجَار اَلْحَدِيقَة
بشذب أَغْصَانهَا فَسَأَلَهُ عَنْ مَرْغِرِيت فَقَالَ إِنَّهَا حَضَرَتْ هُنَا بِالْأَمْسِ فِي مُنْصَرِف اَلنَّهَار
وَوَرَاءَهَا خَادِمَتهَا تَحْمِل حَقِيبَة كَبِيرَة فَصَعِدَتْ إِلَى اَلْمَنْزِل فَلَبِثَتْ فِيهِ سَاعَة ثُمَّ
نَزَلَتْ وَقَدْ لَبِسَتْ ثَوْبًا مِنْ أَثْوَاب اَلْوَلَائِم فَأَعْطِنِي كُتَّابًا وَقَالَتْ لِي إِذَا جَاءَ
المسيو أَرْمَان لِلسُّؤَالِ عَنِّي فَأُعْطَهُ إِيَّاهُ ثُمَّ رَكِبْت عَرَبَتهَا هِيَ وَخَادِمَتهَا وَانْصَرَفْت
قَالَ أَلَّا تَعْلَم أَيْنَ ذَهَبَتْ قَالَ أَحْسَب أَنِّي سَمِعْتهَا تَقُول للحوذي عِنْد رُكُوبهَا إِلَى
مَنْزِل المركيز جَانّ فِيلِيب فجمى أَرْمَان فِي مَكَانه جُمُود اَلصَّنَم وَاسْتَحَالَ لَوْنه إِلَى
صُفْرَة اَلْمَوْت وَمَرَّ بِخَاطِرِهِ مُرُور اَلْبَرْق ذَلِكَ اَلْكِتَاب اَلَّذِي رَآهُ فِي يَدهَا بَعْد عَوْدَته
إِلَيْهَا مِنْ مُقَابَلَة أَبِيهِ فَتَرْكه اَلْحَارِس مَكَانه وَذَهَبَ إِلَى غُرْفَته وَعَاد إِلَيْهِ
بِالْكِتَابِ فَتَنَاوُله مِنْهُ بِيَد مُرْتَجِفَة وَنَشْره وَأَمْر نَظَره عَلَيْهِ إِمْرَارًا فَأَحَاطَ بِمَا
فِيهِ لِلنَّظْرَةِ اَلْأُولَى فَارْتَعَدَ جِسْمه اِرْتِعَادًا شَدِيدًا وَتَرَاجُع خُطْوَة أَوْ خُطْوَتَيْنِ إِلَى
بَاب اَلْقَصْر فَأَسْنَدَ ظَهْره إِلَيْهِ وَأَعَادَ قِرَاءَته فَإِذَا هُوَ مُشْتَمِل عَلَى هَذِهِ اَلْكَلِمَات
هَذَا آخَر مَا بَيْنِي وَبَيْنك يَا أَرْمَان فَلَا تُحَدِّث نَفْسك بِمُعَاوَدَة اَلِاتِّصَال بِي وَلَا
تَسْأَلنِي عَنْ اَلسَّبَب فِي ذَلِكَ فَلَا سَبَب عِنْدِي إِلَّا أَنِّي هَكَذَا أَرَدْت لِنَفْسِي وَالسَّلَام .
فَعَلَّقَ نَظَره بِالْكِتَابِ سَاعَة لَا يَرْفَع طَرَفه عَنْهُ وَلَا يَقْرَأ مِنْهُ حَرْفًا كَأَنَّمَا هُوَ
تِمْثَال مِنْ تَمَاثِيل اَلْحَدِيقَة وَكَانَ اَلْحَارِس قَدْ عَادَ إِلَى شَجَرَته يُشَذِّب أَغْصَانهَا
وَيَتَغَنَّى فِي صُعُوده إِلَيْهَا وَانْحِدَاره عَنْهَا بِقِطْعَة مِنْ اَلشِّعْر اَلْغَرَامِيّ يُعْجِبهُ لَحْنهَا
وَإِنْ كَانَ لَا يَفْهَم مَعْنَاهَا فَإِنَّهُ لكذلك إِدّ سَمِعَ صَوْت جِسْم ثَقِيل قَدْ سَقَطَ عَلَى
مَعْنَاهَا فَإِنَّهُ لكذلك إِذْ سَمِعَ صَوْت جِسْم ثَقِيل قَدْ سَقَطَ عَلَى اَلْأَرْض فَرَمَى بِفَأْسِهِ وَهَرِعَ
إِلَى نَاحِيَة اَلصَّوْت فَرَأَى أَرْمَان صَرِيعًا مُعَفَّرًا تَحْت عَتَبَة اَلْبَاب فَفَزِعَ فَزَعَقَا
شَدِيدًا وَظَنَّهَا الصرعة اَلْكُبْرَى فَأَهْوَى بِأُذُنِهِ إِلَى صَدْره فَسَمِعَ مَا بَقِيَ مِنْ دَقَّات
قَلْبه فَاطْمَأَنَّ قَلْبًا وَعَمْد إِلَى جَرَّة بَيْن يَدَيْهِ فَأَخَذَ يَنْضَح بِمَائِهَا وَجْهه يَدُلّك
بِرَاحَة يَده صَدْره وَصُدْغَيْهِ حَتَّى استفاق بَعْد قَلِيل فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرَأَى اَلْحَارِس جَالَسَا
بِجَانِبِهِ وَرَأَى اَلْكِتَاب لَا يَزَال فِي يَده فَدَار بِعَيْنَيْهِ حَوْل نَفْسه فَمَرَّتْ بِخَاطِرِهِ فِي
اَلْحَال ذِكْرَى مَصْرَعه اَلْقَدِيم فِي هَذَا اَلْمَكَان عَيْنه مُنْذُ خَمْسَة عَشَر شَهْرًا يَوْم أَلْقَتْ
مَرْغِرِيت بِنَفْسِهَا عَلَيْهِ وَرَسَمَتْ عَلَى ثَغْره أَوَّل قُبْلَة مِنْ قُبُلَات اَلْحُبّ فهاجته تِلْكَ
اَلذَّكَرِيّ وَصَاحَ مَا ‎ اُبْعُدْ اَلْيَوْم مَنْ أُلَامِس وَأَنْشَأ يَبْكِي بُكَاء اَلطِّفْل اَلَّذِي حِيلَ بَيْنه
وَبَيْن ثَدْي أُمّه حَتَّى بَكَى اَلْحَارِس لِبُكَائِهِ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُعَزِّيه عَنْ مُصَابه وَيُهَوِّنهُ
عَلَيْهِ حَتَّى هَدَأَ قَلِيلًا فَأَمْره أَنْ يَسْتَدْعِي لَهُ عَرَبَة فَفَعَلَ فَقَامَ يَتَوَكَّأ عَلَى يَد
اَلْحَارِس حَتَّى بَلَّغَهَا فَرَكِبَ وَقَالَ لِلسَّائِقِ إِلَى فُنْدُق تورين فَسَارَتْ بِهِ اَلْعَرَبَة إِلَيْهِ
حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنه وَبَيْنه إِلَّا مُنْعَطَف وَاحِد مَرَّتْ بِجَانِيهِ عَرَبَة فَخْمَة مُرُور
اَلْبَرْق اَلْخَاطِف تَحْمِل رَجُلًا وَاِمْرَأَة لَمْ يَتَبَيَّنهُمَا لِلنَّظْرَةِ اَلْأُولَى ثُمَّ رَاجِعْ
صُورَتهمَا فِي خَيَاله فَإِذَا هُمَا جَانّ فِيلِيب وَمَرْغِرِيت وَكَانَتْ مَرْكَبَته قَدْ وَصَلَتْ بِهِ
إِلَى اَلْفُنْدُق فَدَخَلَ عَلَى أَبِيهِ هَائِمًا مختبلا فَقَالَ مَا دَهَاك يَا بَنِي قَالَ قَدْ
خَانَتْنِي يَا أَبَتَاهُ قَالَ ذَلِكَ مَا أَنْذَرَتْك مِنْ قَبْل يَا بَنِي .
ثُمَّ اِنْقَضَى اَلنَّهَار وَجَاءَ اَللَّيْل فَقَضَاهُ أَرْمَان سَاهِرًا فِي مَخْدَعه يُرَاجِع فِهْرِس
حَيَاته مَعَ مَرْغِرِيت صَفْحَة صَفْحَة وَيَسْتَعْرِض فِي نَفْسه جَمِيع أَطْوَارهَا وَشُؤُونهَا فَلَمْ تَبْقَ
حَرَكَة مِنْ حَرَكَاتهَا وَلَا كَلِمَة مِنْ كَلِمَاتهَا وَلَا صُورَة مِنْ صُوَر أَعْمَالهَا كَانَ يَرَاهَا
بِالْأَمْسِ حَسَنَة مِنْ حَسَنَات اَلْإِخْلَاص وَالْوَفَاء إِلَّا رَآهَا اَلْيَوْم سَيِّئَة مِنْ سَيِّئَات
اَلْخَدِيعَة وَالْمَكْر حَتَّى وَصْل فِي مُرَاجَعَته إِلَى اَلْأَمْس وَالْيَوْم اَلَّذِي قَبِلَهُ .
فَذَكَرَ عَدَم اِنْتِظَارهَا إِيَّاهُ فِي شُرْفَة اَلْبَيْت كَعَادَتِهَا يَوْم عَاد إِلَيْهَا مِنْ مُقَابَلَة
أَبِيهِ وَشِدَّة اِحْتِفَاظهَا بِكِتَاب المركيز فِي يَدهَا عِنْدَمَا دَخَلَ عَلَيْهَا غُرْفَتهَا وضنها
بِهِ ضَنَا شَدِيدًا وَلَمْ تَكُنْ تَفْعَل ذَلِكَ مِنْ قَبْل وَإِعْرَاضهَا عَنْ اَلتَّبَسُّط مَعَهُ فِي
اَلْحَدِيث بَعْد مَا قَصَّ عَلَيْهَا مِنْ قَبْل وَإِعْرَاضهَا عَنْ اَلتَّبَسُّط مَعَهُ فِي اَلْحَدِيث بَعْد مَا
قَصَّ عَلَيْهَا قِصَّته مَعَ أَبِيهِ وَزَعْمهَا أَنَّهَا مَرِيضَة خَائِرَة لَا تَسْتَطِيع اَلْبَقَاء مَعَهُ
وَإِلْحَاحهَا عَلَيْهِ فِي صَبَاح اَلْيَوْم اَلثَّانِي إِلْحَاحًا شَدِيدًا فِي اَلْعَوْدَة إِلَى مُقَابَلَة
أَبِيهِ وَاسْتِعْطَافه وَقَوْلهَا إِنَّهَا لَا تَكُون رَاضِيَة عَنْ نَفْسهَا وَلَا هَانِئَة بِعَيْشِهَا إِنْ
لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ رَاضِيًا عَنْهُ فَاسْتَنْتَجَ مِنْ هَذَا كُلّه أَنَّهَا مُنْذُ شَعَرَتْ بِفَرَاغ يَده مِنْ
اَلْمَال وَأَنَّ أَبَاهُ إِمَّا أَنْ يَحُول بَيْنه وَبَيْنهَا وَإِمَّا أَنْ يُقَتِّر عَلَيْهِ اَلرِّزْق تَقْتِيرًا
مَلَّتْهُ واجتويه وَفَكَّرَتْ فِي سَبِيل اَلْخَلَاص مِنْهُ وَلَمْ تَزَلْ تَنْتَظِر مَا يَأْتِيهَا بِهِ اَلْقَدْر
حَتَّى أَتَاهَا بِكِتَاب المركيز فَكَانَ هُوَ طَرِيق خَلَاصهَا .
وَلَمْ يَزَلْ هَائِمًا مَا شَاءَ اَللَّه أَنْ يَهِيم فِي تَصَوُّرَاته وَأَوْهَامه حَتَّى غَلَبَته فَهَجَعَ
قَلِيلًا ثُمَّ اِسْتَيْقَظَ فِي اَلصَّبَاح فَدَخَلَ عَلَى أَبِيهِ فِي مَخْدَعه وَقَالَ لَهُ لِي عِنْدك أُمْنِيَة
يَا أَبَتَاهُ لَا أُرِيد غَيْرهَا وَأُرِيد أَنْ أَبْتَاعهَا مِنْك بِخُضُوعِي لَك وَنُزُولِي عَلَى حُكْمك
أَبَد اَلدَّهْر فِيمَا سَرَّنِي أَوْ سَاءَنِي فَهَلْ لَك أَنْ تبلغنها قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ أُرِيد أَنْ
تُعْطِينِي اَلسَّاعَة خَمْسَة عَشَر أَلْف فِرَنْك قَالَ وَمَا تُرِيد مِنْهَا قَالَ أَحَبّ أَنْ أَسْتَأْثِر
بِهَذَا اَلسِّرّ لِنَفْسِي مِنْ دُون اَلنَّاس جَمِيعًا حَتَّى مِنْ دُونك فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبُوهُ نَظْرَة
اَلْمُلِمّ بِمَا دَارَ فِي نَفْسه وَلَمْ يُعَاوِدهُ وَأَعْطَاهُ صُكُوكًا بِالْمَالِ اَلَّذِي أَرَادَ فَأَخَذَهَا
وَأَرْسَلَهَا إِلَى مَرْغِرِيت وَأَرْسَلَ مَعَهَا كِتَابًا طَوِيلًا خَتَمَهُ بِهَذِهِ اَلْكَلِمَة أَمَّا قَدْ عَرَفَتْ
أَنَّنِي كُنْت أَعِيش مَعَ اِمْرَأَة عَاهِر سَاقِطَة لَا أَمَّا وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّنِي كُنْت أَعِيش مَعَ
اِمْرَأَة عَاهِر سَاقِطَة لَا عُهَد لَهَا وَلَا ذمام فَهَا هِيَ ذِي أُجْرَة لَيَالِيك اَلْمَاضِيَة
مُرْسَلَة إِلَيْك .
ثُمَّ خَرَجَ لِيَعُدّ نَفْسه لِلسَّفَرِ فَقُضِيَ اَلْيَوْم كُلّه خَارِج اَلْفُنْدُق ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ دُبُر
اَلنَّهَار فَوُجِدَ فِيهِ كِتَابًا بِاسْمِهِ فَفَضَّ خِتَامه فَإِذَا اَلْأَوْرَاق اَلَّتِي أُرْسِلهَا إِلَى
مَرْغِرِيت عَائِدَة إِلَيْهِ كَمَا هِيَ وَلَيْسَ مَعَهَا كَلِمَة وَاحِدَة فَحَاوَلَ أَنْ يُعِيدهَا إِلَيْهَا
مَرَّة أُخْرَى فَمَنَعَهُ أَبُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ قَدْ وَعَدْتنِي أَلَّا تُخَالِفنِي فِي أَمْر بُدّ لَك
مِنْ اَلْإِذْعَان فَأُذْعِن ثُمَّ سَافَرَا مَعًا تِلْكَ اَللَّيْلَة إِلَى نيس .
وَكَذَلِكَ قُضِيَ اَللَّه أَنْ يَفْتَرِق ذَلِكَ اَلصَّدِيقَانِ اَلْوَفِيَّانِ وَالْعَاشِقَانِ اَلْمُخْلِصَانِ فَعَادَ
اَلْفَتِيّ إِلَى أَحْضَان أَبِيهِ وَعَادَتْ اَلْفَتَاة إِلَى حَيَاتهَا اَلْأُولَى اَلَّتِي كَانَتْ تَأْبَاهَا
اَلْإِبَاء كُلّه وَتَخَافهَا اَلْخَوْف اَلشَّدِيد وَفِي نَفْس كُلّ مِنْهُمَا مِنْ اَلْوَجْد بِصَاحِبِهِ
وَالْحَسْرَة عَلَيْهِ مَا لَا تَلِيه اَلْأَيَّام وَلَا تَنْتَقِص مِنْهُ اَلسُّنُونَ وَالْأَعْوَام .
اَلْأَشْقِيَاء فِي اَلدُّنْيَا كَثِير وَأَعْظَمهمْ شَقَاء ذَلِكَ اَلْحَزِين اَلصَّابِر اَلَّذِي قَضَتْ عَلَيْهِ
ضَرُورَة مِنْ ضَرُورِيَّات اَلْحَيَاة أَنْ يَهْبِط بِآلَامِهِ وَأَحْزَانه إِلَى قَرَارَة نَفْسه فَيُوَدِّعهَا
هُنَاكَ ثُمَّ يُغَلِّق دُونهَا بَابًا مِنْ اَلصَّمْت وَالْكِتْمَان ثُمَّ يَصْعَد إِلَى اَلنَّاس بَاشّ اَلْوَجْه
بَاسِم اَلثَّغْر متطلقا مُتَهَلِّلًا كَأَنَّهُ لَا يَحْمِل بَيْن جَنْبَيْهِ هَمًّا وَلَا كَمَدًا :
ذَلِكَ كَانَ شَأْن مَرْغِرِيت بَعْد عَوْدَتهَا إِلَى حَيَاتهَا اَلْأَوْلَى فَقَدْ أَصْبَحَتْ تَعِيش مَعَ
اَلنَّاس بِصُورَة غَيْر اَلصُّورَة اَلَّتِي تَعِيش بِهَا مَعَ نَفْسهَا أَمَّا حَيَاتهَا مَعَ اَلنَّاس
فَحَيَاة ضَاحِكَة لَاعِبَة مَرِحَة وَثَابِتَة تُضِيء اَلْمَجَامِع وَالْمَحَافِل وَتَمْلَأ اَلْأَنْظَار
وَالْأَسْمَاع فَإِذَا ضَمَّهَا مَخْدَعهَا وَخَلَا لَهَا وَجْه اَللَّيْل مَرَّتْ أَمَام عَيْنَيْهَا صُورَة تِلْكَ
اَلسَّاعَات اَلسَّعِيدَة اَلَّتِي قَضَتْهَا بِجَانِب أَرْمَان ثُمَّ ذَكَرَتْ أَنَّهَا قَدْ أَفْلَتَتْ مِنْ يَدهَا
إِفْلَات اَلطَّائِر مِنْ يَد صَائِده وَصَارَتْ بَعِيدَة عَنْهَا بَعْد اَلشَّمْس عَنْ يَد مُتَنَاوَلهَا
وَأَنَّهَا قَدْ أَصْبَحَتْ تَعِيش بَيْن أَقْوَام لَا تَعْرِفهُمْ وَلَا تَجِد فِي نَفْسهَا لَذَّة اَلْأُنْس بِهِمْ
ثُمَّ لَا تَجِد لَهَا بُدًّا مِنْ مماذقتهم وَالتَّحَبُّب إِلَيْهِمْ وَالتَّجَمُّل لَهُمْ بِمَا يُرِيدُونَ
وَيَشْتَهُونَ فَتُقَبِّل اَلْأَفْوَاه اَلَّتِي لَا تَشْتَهِيهَا وَتَعْتَنِق اَلْقَامَات اَلَّتِي لَا تُطِيق
رُؤْيَتهَا وَتَشْرَب مَعَ كُلّ شَارِب وَالشَّرَاب يَحْرُق أَحْشَاءَهَا وَتَرْقُص مَعَ كُلّ رَاقِص وَالرَّقْص
يُمَزِّق أَوْصَالهَا وَتَضْحَك ضِحْكَات اَلسُّرُور مِنْ قَلْب بَاكٍ وَتُنْشِد أَنَاشِيد الهناد مِنْ فُؤَاد
مُحْتَرِق فَكَأَنَّهَا فِي يَد اَلنَّاس وَالْعُود فِي يَد اَلْمُغَنِّي يَقْطَع أَوْتَاره ضَرْبًا لِيُطْرِب
لِنَغَمَاتِهِ أَوْ اَلزَّهْرَة فِي يَد اَلْمُقْتَطَف يَعْصِر أَوْرَاقهَا عَصْرًا لِيَنْعَم بِشَذَاهَا فَتُهَيِّجهَا
ذِكْرَى ذَلِكَ اَلْمَاضِي اَلسَّعِيد وَهَذَا اَلْحَاضِر اَلشَّقِيّ فَتُطْلِق اَلسَّبِيل لِزَفَرَاتِهَا
وَعَبَرَاتهَا يَصْعَد مِنْهَا مَا يَصْعَد وَيَنْحَدِر مَا يَنْحَدِر حَتَّى تشتفي نَفْسهَا فَتَقُوم إِلَى
خِزَانَة مَلَابِسهَا فَتَسْتَخْرِج مِنْهَا صُورَة تَضَعهَا بَيْن سِحْرهَا وَنَحْرهَا ثُمَّ تَأْوِي إِلَى
مَضْجَعهَا فَتَجِدّ بَرْد اَلرَّاحَة فِي صَدْرهَا لِأَنَّهَا صُورَة أَرْمَان .
وَلَمْ تَزَلْ تُكَابِد مِنْ اَلشَّقَاء فِي تِلْكَ اَلْحَيَاة اَلسَّاقِطَة وَآلَامهَا مَا لَا طَاقَة
لِمَثَلِهَا بِاحْتِمَال مِثْله حَتَّى اِسْتَيْقَظَ فِي صَدْرهَا دَاؤُهَا اَلْقَدِيم بَعْد مَا نَامَ عَنْهَا
حِينًا مِنْ اَلدَّهْر فَهَزَلَ جَسَّمَهَا وشحب لَوْنهَا وَغَاضَ مَاء اِبْتِسَامَاتهَا وَانْطَفَأَ شُعَاع
نَظَرَاتهَا وَشَغْلهَا شَأْن نَفْسهَا عَنْ شَأْن المركيز فَلَمْ يَلْبَث أَنْ مَلَّهَا وَفَارَقَهَا
وَاسْتَبْدَلَ بِهَا ‎ أُخْرَى غَيْرهَا ثُمَّ اِخْتَلَفَ عَلَيْهَا مِنْ بَعْده اَلْأَخِلَّاء اَلرُّفَقَاء فَكَانَ
شَأْنهمْ مَعَهَا شَأْنه لَا يَلْبَث أَحَدهمْ أَنْ يَعْرِفهَا حَتَّى يَهْجُرهَا فَكَسَدَتْ سِلْعَتهَا فِي سُوق
اَلْجِمَال وَطَمِعَ فِيهَا مَنْ لَمْ يَكُنْ يَطْمَع قَبْل اَلْيَوْم فِي لَثْم مَوَاطِئ أَقْدَامهَا وَخَلَتْ
مَنْهَلَا اَلْمَجَامِع وَالْمَحَافِل ثُمَّ خَلَتْ مِنْ ذَكَرَهَا وَحَدِيثهَا وأعوزها اَلْمَال إعواز
شَدِيدًا فَمَدَّتْ يَدهَا إِلَى مَا كَانَ بَاقِيًا عِنْدهَا مِنْ جَوَاهِرهَا وَلَآلِئهَا فَبَاعَته فَلَمْ
يَفِ بِدِينِهَا فَطَلَبَتْ اَلْمَعُونَة مِنْ كَثِير مِنْ أَصْدِقَائِهَا اَلْمَاضِينَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا قَلِيل
مِنْهُمْ اَلْقَلِيل فَلَمْ يُغْنِ عَنْهَا شَيْئًا وَاخْتَلَفَتْ إِلَيْهَا جَرَائِد اَلْحِسَاب يَطْلُب أَصْحَابهَا
سَدَاد مَا فِيهَا فَدَافِعَتهمْ عَنْهَا حِينًا ثُمَّ عَجَزَتْ فَحَجَزُوا عَلَى جَمِيع مُقْتَنَيَاتهَا
وَذَخَائِرهَا وَأَثَاث بَيْتهَا ورياشه ولؤموا فِي مُقَاضَاتهَا لُؤْمًا ضَاعَفَ حُزْنهَا وَمَرَّضَهَا
وَقُضِيَ عَلَى بَقَّة مَا كَانَتْ تُضْمِرهُ فِي نَفْسهَا مِنْ اَلْأَمَل فِي اَلْحَيَاة وَالسَّعَادَة فِيهَا
فَنَسِيَتْ اَلْعَالَم خَيْره وَشَرّه وَالْحَيَاة سَعَادَتهَا وَشَقَاءَهَا وَأَصْبَحَتْ لَا تُفَكِّر إِلَّا فِي
أَمْر وَاحِد تَقُوم وَتَقْعُد بِهِ لَيْلهَا وَنَهَارهَا وَهُوَ ان تُرَى أَرْمَان سَاعَة وَاحِدَة قَبْل
مَوْتهَا ثُمَّ تَذْهَب إِلَى رَبّهَا .
وَلَمْ تَكُنْ قَدْ كَتَبَتْ إِلَيْهِ قَبْل اَلْيَوْم كَلِمَة وَاحِدَة مُنْذُ فَارَقَهَا وَلَا كُتُب إِلَيْهَا
فَنَهَضَتْ تَتَحَامَل عَلَى نَفْسهَا حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى مِنْضَدَتهَا فَكَتَبَتْ إِلَيْهِ هَذَا اَلْكِتَاب
تَعَالٍ إِلَى يَا أَرْمَان رَاضِيًا كُنْت أَوْ غَاضِبًا فَإِنَّنِي مَرِيضَة مُشَرِّفَة وَأَحَبَّ أَنْ أَرَاك
قَبْل مَوْتَى لِأَقْضِيَ لَك بِسِرّ اَلذَّنْب اَلَّذِي أذنبته إِلَيْك فِيمَا مَضَى وَاَلَّذِي لَا تَزَال
واجدا عَلَى بِسَبَبِهِ حَتَّى اَلْيَوْم فَلَعَلَّك تَعْفُو عَنِّي فِي سَاعَتِي اَلْأَخِيرَة فَيَكُون عَفْوك
وَرِضَاك هُوَ كُلّ مَا أتزوده مِنْ هَذِهِ اَلْحَيَاة لِقَبْرِي وَاذْكُرْ يَا أَرْمَان أَنَّ أَوَّل عَاطِفَة
جَمَعَتْ بَيْنِي وَبَيْنك وَأَلَّفَتْ بَيْن قَلْبِي وَقَلْبك كَانَتْ عَاطِفَة اَلرَّحْمَة وَالشَّفَقَة فَهَا هِيَ
اَلْفَتَاة اَلْمَرِيضَة اَلْمِسْكِينَة اَلَّتِي رَحِمَتْهَا بِالْأَمْسِ وَعَطَفَتْ عَلَيْهَا قَبْل أَنْ تُحِبّهَا
تَدْعُوك اَلْيَوْم أَنْ تَرْحَمهَا وَتَعْطِف عَلَيْهَا وَإِنَّ تُكِنّ قَدْ سَلْوَتهَا أَمَّا كِتَابك اَلَّذِي
كَتَبَتْهُ إِلَيَّ قَبْل سَفَرك فَقَدْ اغتفرت لَك كُلّ مَا فِيهِ حَتَّى قَوْلك إِنَّنِي كُنْت كَاذِبَة فِي
حُبُك طَامِعَة فِي مَالِك لِأَنِّي أَعْلَم أَنَّ اَلْمَرْأَة اَلَّتِي كَذَبَ اَلنَّاس فِي حُبّهَا طَوَال
حَيَاتهَا لَا يُمْكِن أَنْ تَجِد مَنْ يُصَدِّقهَا إِذْ صَدَقَتْ فِيهِ وَعَدَّلَ مِنْ اَللَّه كُلّ مَا صَنَعَ .
ثُمَّ لَبِثَتْ تَنْتَظِر حُضُوره أَيَّامًا طِوَالًا فَلَمْ يَأْتِ فَأُحْزِنهَا ذَلِكَ حُزْنًا شَدِيدًا وَسَاءَ
ظَنّهَا بِهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسهَا أَنَّهُ قَدْ سَلَّاهَا وَاطْرَحْهَا وَأَصْبَحَ لَا يَعْبَأ بِهَا وَلَا يُبَالِي
بِحَيَاتِهَا أَوْ مَوْتهَا وَسَعَادَتهَا أَوْ شَقَائِهَا وَكَانَتْ مُخْطِئَة فِيمَا ظَنَّتْ فَإِنَّ أَرْمَان لَمْ
يَطَّلِع عَلَى اَلْكِتَاب اَلَّذِي أَرْسَلَتْهُ إِلَيْهِ مُنْذُ فَارَقَهَا فِي اَلْعَام اَلْمَاضِي وَسَافَرَ إِلَى
نيس وَلَمْ يَسْتَطِعْ اَلْبَقَاء فِيهَا إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل ثُمَّ مَلِكه اَلضَّجِر وَأَحَاطَتْ بِهِ
اَلْوَحْشَة وَضَاقَتْ فِي وَجْهه مَذَاهِب اَلسَّلْوَى فَاسْتَأْذَنَ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يُسَافِر إِلَى بَعْض
بِلَاد اَلْمَشْرِق تَرْوِيحًا عَنْ نَفْسه وتفريحا مِنْ كُرْبَته فَأَذِنَ لَهُ فَسَافَرَ إِلَى
اَلْإِسْكَنْدَرِيَّة فَأَقَامَ بِهَا بِضْعَة أَشْهُر كَاتِب أَبَاهُ فِيهَا قَلِيلًا ثُمَّ تَرَكَهَا وَأَخَذَ
يَنْتَقِل فِي أَنْحَاء اَلْبِلَاد لَمْ يَنْزِل بِبَلْدَة حَتَّى يَطِير بِهِ اَلضَّجَر إِلَى غَيْره فَانْقَطَعَتْ
رَسَائِله عَنْ أَبِيهِ فَأَصْبَحَ لَا يُعَلِّم مَكَان وُجُوده فَلِمَا أَرْسَلَتْ مَرْغِرِيت إِلَيْهِ كِتَابهَا
فِي نيس قَرَأَهُ أَبُوهُ وَحَفَّظَهُ عِنْده وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُرْسِلهُ إِلَيْهِ وَمَرْغِرِيت لَا تَعْلَم
بِشَيْء مِنْ ذَلِكَ فَحَزِنَتْ لِخَيْبَة أَمَلهَا حُزْنًا شَدِيدًا وَدُبّ اَلْيَأْس فِي قَلْبهَا رَبِيب
اَلْمَوْت فِي اَلْحَيَاة وَوَقَعَ فِي نَفْسهَا أَنَّهَا سَتُخْرِجُ مِنْ اَلدُّنْيَا فَارِغَة اَلْيَد مِنْ كُلّ شَيْء
حَتَّى مِنْ هَذِهِ اَلْأُمْنِيَة اَلَّتِي بَقِيَتْ فِي يَدهَا مِنْ بَيْن جَمِيع آمَالهَا اَلضَّائِعَة فَتُنْكِر
شَأْنهَا وَاسْتَحَالَتْ جَالَهَا وَلَجَأَتْ إِلَى صَمْت طَوِيل لَا تَقُول فِيهِ خَيْرًا وَلَا شَرًّا
وَأَصْبَحَتْ تَنْظُر إِلَى نَفْسهَا وَإِلَى مَا يُحِيط بِهَا مِنْ اَلْأَشْيَاء كَأَنَّهَا تَنْظُر إِلَى شَيْء
تَنَكُّره وَلَا تَعَرُّفه فَرُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا طَبِيبهَا وَهِيَ فِي أَشَدّ حَالَات أَلَمهَا فَلَا تَشْكُو
لَهُ أَلَمًا أَوْ سَمِعَتْ ضَوْضَاء اَلدَّائِنِينَ وصخبهم مِنْ اَلرَّاحَة وَالسُّكُون رَكِبَتْ عَرَبَتهَا
إِلَى بوجيفال فَزَارَتْ اَلْبَيْت اَلَّذِي قَضَتْ فِيهِ أَيَّام سَعَادَتهَا اَلذَّاهِبَة وَكَانَ لَا يَزَال
بَاقِيًا عَلَى اَلصُّورَة اَلَّتِي تَرَكْتهَا عَلَيْهَا يَوْم فَارَقَتْهُ وَمَرَّتْ بِغُرَفِهِ وَقَاعَاته وَجَلَسَتْ
فِي كُلّ مَكَان كَانَتْ تَجْلِس فِيهِ مَعَ أَرْمَان وَأَشْرَفَتْ مِنْ كُلّ نَافِذَة كَانَ يُشْرِف مِنْهَا
مَعَهَا وَقَبِلَتْ جَمِيع آثَاره وَبَقَايَاهُ وَلَثَمَتْ اَلْكَأْس اَلَّتِي كَانَ يَشْرَب بِهَا وَالزَّهْرَة
اَلَّتِي كَانَ يُحِبّهَا وَالْقَلَم اَلَّذِي كَانَ يَكْتُب بِهِ وَالْكُتَّاب اَلَّذِي كَانَ يَقْرَأ فِيهِ فَإِذَا
نَالَ مِنْهَا اَلتَّعَب جَلَسَتْ عَلَى بَعْض اَلْمَقَاعِد لِتَأْخُذ لِنَفْسِهَا رَاحَتهَا فَرُبَّمَا طَارَ بِهَا
خَيَالهَا إِلَى ذَلِكَ اَلْعَهْد اَلْقَدِيم فَتُمَثِّل لَهَا أَنَّ أَرْمَان جَالَسَ تَحْت قَدَمَيْهَا يَسْرُد
عَلَيْهَا حَادِثَة مِنْ حَوَادِث طُفُولَته فِي نيس أَوْ يَبُثّهَا مَا يُضْمِرهُ لَهَا فِي نَفْسه مِنْ
اَلْوَجْد وَالْغَرَام فَتَبْتَسِم لِحَدِيثِهِ اِبْتِسَام اَلسَّعِيد اَلْهَانِئ وَتَسْتَشْعِر فِي نَفْسهَا لَذَّة
لَا يَشْعُر بِمِثْلِهَا إِلَّا اَلْمُتَّقُونَ فِي جَنَّات اَلنَّعِيم ثُمَّ تَفْتَح عَيْنَيْهَا فَلَا تَرَى
أَمَامهَا غَيْر اَلْوَحْشَة وَالسُّكُون وَالْوَحْدَة وَالِانْفِرَاد فَتُبْكِي مَا شَاءَ اَللَّه أَنْ تَفْعَل
ثُمَّ تَعُود إِلَى بَيْتهَا فِي بَارِيس فَتَجْلِس عَلَى كُرْسِيّهَا بِجَانِب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alhammali.mam9.com
 
العبرات ( الجزء السابع) لمصطفى المنفلوطي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» العبرات ( الجزء الأول) لمصطفى المنفلوطي
» العبرات ( الجزء الثاني) لمصطفى المنفلوطي
» العبرات ( الجزء الثالث) لمصطفى المنفلوطي
» العبرات ( الجزء الرابع) لمصطفى المنفلوطي
» العبرات ( الجزء الخامس) لمصطفى المنفلوطي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى علي الهمالي للتربية والتعليم :: قسم الأدب العربي-
انتقل الى: